علّمه كيف يصطاد..

نعم… الجميع يصطاد، البعض رزقه وفير في بلاد الأحرار (تايلاند)، والبعض رزقه شحيح، ولكن الله تعالى يُبارك، لأن البركة إذا نُزعت ستجد الملياردير في سقر من هذه الحياة الدنيا، وإذا حلّت ستجد شبه المفلس في نعيم مقيم بالقناعة، وفي الأخير:

كل من في الوجود يطلب صيداً
غير   أن   الشباك   مختلفات


وقد حار الناس في عصرنا في وظائف الحكومات، أهي في خدمة الناس أم هي فوقهم، وهم في خدمتها. ففي كثير من البلدان التعيسة فإن الحكومات هي أهم معوّقات الرزق لرعاياها، لأنها ضلّت ضلالاً كبيراً عن وظائفها بموجب العقد الاجتماعي، ولم يعد من همّ لها سوى الاسترزاق و (الهنجمة) حتى قيل إن “حمار الحكومة حكومة”، وطبعاً في ظلّ هذه النظرة وسوء النظر فإن التقدم أشبه بالسراب كلما اقتربت منه اضمحلّ وبعدُ عنك. يبدو أننا نتكلّم في بديهيات الأمور، وإن كان تجاهلها يتم كأن لم تكن، ولن تكون، فما لنا ولهذا العناء، ومع ذلك أقول:

عليّ نحت القوافي من معادنها
وما  عليّ  إذا  لم  تفهم iiالبقر

والله أقسم غير حانثٍ أن في العالم رؤى مستنيرة غير رؤى العرب، ونفوساً مستقيمة هي إلى التقوى أقرب، ففي هذا البلد الواقع (شرق آسيا) – والذي عصف به إنقلابٌ عسكري قبل فترة وجيزة من الزمن – لم نر أثراً لعسكري في أي مكان من أماكن الحياة المدنية، غير ربّما مرة واحدة ونحن نغادر مطار (بانكوك)، وإذا بضابط خارج حرم المطار يستفسر عن محتويات أكياس مفتوحة كانت تعلو عربة النقل، وقد استغربنا من هذه الحركة القرعاء، وسرعان ما خجل من نفسه فولّى شبه هارب وهو يتمتم “سجاير، سجاير”. عموماً السلوك الفردي الشاذّ لا يُقاس عليه، فالمعوّل على العموم في المكان وفي الزمان.

نعود إلى موضوعنا في أن الحكومة ينبغي أن تُعطي الحرية الكاملة للناس في تحصيل معاشهم، ثم تعمد إلى تنظيم تلك الحرية في أطر مرنة، وهنا تجد في الشارع الواحد آلاف أو مئات من السّاعين إلى تحصيل العيش فوق العربات المتحرّكة والمواقع الثابتة، فهذا لديه مطبخ كامل متجوّل، وذاك يشوي أو يغلي نبات الذرة على طريقتنا، وآخر يبع الهدايا التذكارية – وما أكثرها…و …و …و أطلق لخيالك العنان. ولولا هذه الموازنة بين الظروف الموضوعية والحرية في السعي، والقليل، القليل جداً من التنظيم الحكومي لفسدت الأرض، وتحوّل جزء من المجتمع إلى مجرمين، ليس حُباً في الإجرام، وإنما سعياً إلى العيش الذي سُدّت طرقه، فلتأخذ الحكومات العربية ضرائب من الموسرين، ولكن دعوا المُتكسّبين على باب الله من أولئك الذين هم ملح الأرض، دعوهم وحالهم. وفي هذا البلد يقدّمون تجربة يصنعها الناس لا الحكومة، وكل ما يطلبونه من حكومتهم أن لا تريههم وجهها سوى في حفظ الأمن، ومن بعيد لبعيد، ولكم مرّت سيارات شرطة لا يترجل راكبوها إلا إذا رأوا منكراً مما ينكرون، وأهمّه الاعتداء على حريّة الآخرين، أما عدا ذلك فقد تركوا الخلق للخالق، وهم يعرفون أن الدورة الكاملة للاقتصاد ستعود بالخير على الجيمع، بما في ذلك الحكومة. وقد أخذ (سالم صالح محمد) يلحّ عليّ أن أكتب في هذا الموضوع، وقد شكرته قائلاً له: “لا تقل للجمل در وعينه أكبر من عينك”. إلى اللقاء…

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s