والنص دمع الأحباب

نصف زهور (تايلاند) – وما أكثرها وأشَدَّ تنوُّعَها – تذهب إلى (بوذا) تحية وإجلالاً وتقديراً وطنياً لهذه الشخصية المسيطرة على قلوب وعقول الناس منذ آلاف السنين، وطبعاً يشمل النفوذ الروحي لـ(بوذا) مئات الملايين من الناس من (الهند) و(الصين) إلى (بورما) وجميع الأقطار المجاورة، وحتى في (ماليزيا) الإسلامية، حيث تُشاهد أحد كبار المعابد المطعمة بالذهب، كما هو الحال في كل مكان من شرق آسيا وجنوب شرقها، أما النصف الثاني من الزهور فيذهب زُلفى بيد الأحباب، قلائد في الأعناق، وأساوِر في المعاصم، وتستطيع القول أن للأزهار في هذا البلد لغة المحبة، أكانت ذات طابع تعبُّدِي، أم ذات طابع إنساني. وقد ذهبت في هذه القسمة التي قد تقارب فتكون كصناديق الديمقراطية الغربية، وقد تتباعد فتكون كصناديقنا العربية بعد التحسينات، وقد ذهبت في ذلك مذهب وادي الضباب في محافظة (تعز)، وكانت السيول تتدفق من أعالي الجبال فقال:

وادي الضباب ماءك غزيرٌ سكّاب
نصه  سيول ونص دمع iiالأحباب

وقد شدا بهذه الأغنية الشهيرة الفنان اليمني الكبير (أيوب طارش العبسي)، ولا تزال أصداؤها تتردد في الجبال والوديان اليمنية وشواطئها الذهبية، كما هو شأن كل إبداع صادق لا ينقصه الخيال ولا تعيبه اللغة.

ما علينا… فقد اقترحت على (زوربا) – الهائم في ملكوت التصوير – أن يخصص جانباً من معرَضه المنتظر للغة الزهور في تفرّدها بالطبيعة، أو كونها لغة وسيطة بين العاشق والمعشوق، أو مصدر رزق للآلاف من الأسر، ينضِّدونها ويطوفون بها جمالاً للمدن، وإعمالاً للجمال، وتزكية للعواطف والأشواق، الأمر الذي يشجّع على المزيد من الاعتناء بإنباتها، وتحسين سلالاتها، وتطعيمها بخصائص جديدة وفقاً للتطوّر المذهل في علوم الزراعة وتقنياتها. وقد كرّم الله تعالى الأزهار بأن جعلها فاتحة النمو في العديد مما تنبت الأرض. وقد صادفتِ الفكرة هوىً في نفس (زوربا)، وقد عقد العزم، ورائده في ذلك قول المتنبي:

إذا شاء أن يلهو بلحية أحمقٍ
أراه  غباره  ثم  قال  له iiالحق

وما من أحدٍ يستطيع اللحاق بغبار (زوربا) وكاميراته والتقاطاته.

أنا أكتب عادة من الذاكرة، ولكن صديقي (سالم صالح محمد) يكتب مع التوثيق والتدقيق، وهو يلومني ولكنني لا ألومه، فلكل شيخٍ طريقه، ومع ذلك فإنني أقول له المثل العدني الشهير وهو لا يغضب وإنما يبتسم:

كم با تاكلي يا دودة… أيامك في الحياة معدودة

وقد أسرّ إليّ أنه لا يريد أن يكون في موقف صاحب (الثور حمادي)، قلت له: “وما قصّة (الثور حمادي) وصاحبه؟”، قال: “هذه قصة طريفة، أو سمّها نكتة، كان يحلو لـ (صالح مصلح المجذوب) عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني أن يرددها قبل أن يقضي في مذبحة المكتب السياسي الشهيرة، وفحواها أن زوجة صاحب الثور اشتكت إليه من (الثور حمادي) الذي تقدّم به العمر، وألحت عليه – وأنتم تعرفون نقّ النساء وإلحاحِهن – أن يأخذه إلى السوق ويتخلص منه بأي ثمن، عسى الله أن يفتح عليهما فيشتريان ثوراً جديداً قشيباً لحيماً عظيماً، وقد كان، حيث اشتراه منه أحد المحتالين برُبع الثمن، وقد فرح (حمادي) بما يسّره الله، ولكنهما بعد عدة أسابيع وجدا ضرورة ماسة لثورٍ جديد، فذهبا إلى السوق، وراق لهما ثورٌ بدا في المواصفات المطلوبة، فأخذاه بأربعة أضعاف ثمن (حمادي)، وفي الطريق كان الثور يحثّ الخطى نحو القرية عارفاً طريقه حتى ذهب الحضيرة دون أن يرشده أحد، فلعب الفأر في عبّ الزوجة لتكتشف أنه (ثور حمادي) بعد تسمينه، وأخذ شيء من قرونه، وكان المجذوب يضرب ذلك مثلاً لبعض الطلاب العائدين من (موسكو)، ولا نقول “كلّ” فالتعميم معيب، والتخصيص مصيب… ويعلّق (سالم): “ولهذا أوثق لكي لا نعود كما ذهبنا”.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s