إنعكست حالة العالم الأمنية على المطارات والموانئ والسّفر عبر البرّ، وأخذ الناس – الّذين لا ناقة لهم ولا جمل في حروب الأشباح – يعانون النتائج، ويدفعون الثمن طوعاً وكرها، وكما هو الحال مع الغلاء والاستغلال والضرائب الجائرة وغيرها من أنواع المكوس والجبايات والإبتزازات، وحتى إتاوات العالم السفلي للفساد، الذي يضرب العالم، وخاصة الشعوب المغلوبة على أمرها بلا حولٍ ولا طول، بأشد مما ضربها إعصار (تسونامي) الذي حرّك أمواجاً بلغت سرعتها سرعة طائرة نفاثة، فأودى بحياة حوالي 350 ألف شخص أحاط بهم على حين غرّة، ولم يجدوا ما يعصمهم من الطوفان المائي الذي يعدّ أعتى جبابرة الطبيعة إذا عَنُفَ، وأرقّها وأسلسها قياداً إذا لَطُفَ. أقول كما هو الحال مع كل هذه الكوارث التي يتحمل مسؤوليتها ويدفع أكلافها الغالبية العظمى الصامتة التي هي أضيع من الأيتام على موائد اللئام، فإن حروب الأشباح كذلك يدفع أكلافها هؤلاء أنفسهم، وكأنها قانون “العين بالعين، والسن بالسن، والجروح قصاص”، وهناك مثلٌ قبليٌ في (اليمن) يقول: “إذا لم تجد غريمك ابحث عن ابن عمه”، وهكذا تفعل الأشباح مع بعضها البعض، وفقاً لمثلٍ يمنيٍ آخر يقول: “القبقبة للولي والفائدة للقيّوم”، و(القيّوم) هو المناط به استلام النذور والعناية بضريح الوليّ، أياً كان هذا الوليّ في مكانه أو مقامه، أما (القبقبة) فهي ما تتوسل به زيارات الأولياء بعد أن يحوُلُ الحولُ من إيقاعات الطبول وإنشاد الأناشيد والتي لا يفيد منها ولا من مصحوباتها الساكن في قبره، وإنما القائم على أمره، وقد يقول لك قائلهم إذا لفت نظره إلى الجور الذي يلحق بالضعفاء: هذه أرزاق وليست أسلاباً، وهي لا تأتي بالحيلة وإنما باللطف، ثم يصكّ مَسمعيك بالبيت الشعريّ الشهير:
ولو كانت الأرزاق تأتي | بقوةلما حصّل العصفور شيئاً من النسر |
ولهذه المناسبة يُروى أن اثنين من دهاة (آل العطّاس) و (آل الجفري) كانا يتنافسان على قلب سلطان لحج من (العبادلة) وعلى نفحاته وهباته، وما يمنحه القرب من هيبة وجاه، وكان (العطّاس) يتوسّل إلى ذلك بالصلاح والتقوى وإظهار التقشّف والزهادة، فيما (الجفري) سلاحه طلاقة اللسان وثبات الجنان والاقتحام في الميدان، فتعجب لحالهما شاعر ليس له من وسيلة إلا ما يفتح به الرحمن، فحرّف البيت الشعري وهو يرى أن كل الطرق تؤدي إلى (روما) فيما (العطّاس) يتمتم و(الجفري) يُبرطم، فقال:
ولو كانت الأرزاق تأتي | بقوّةلما حصّل العطاس شيئاً مع الجفري |
مالنا ولهذا، فغاية الأمر أن الناس استسلموا لهواجس الأمن العالمي، وبعد أن كانوا يضيقون ذرعاً بإجراءات نقاط المغادرة والاستقبال اتسعت صدورهم أمام شرٍّ لا بُدَّ منه، ولكن العاملين والمكلّفين في المطارات أخذوا يتعرّضون لنوبات من الإرهاق جزاءً وفاقاً، ذلك أن “من راقب الناس ماتَ هماً”.
المطارات تموج بمئات الآلاف من الذاهبين والآيبين بين الشرق والغرب، ولم يعد هناك من فرق بين صيف وشتاء، فلكلّ وجهة هو مولّيها، ومن رأى مطار (دبي) سيتعجّب كيف اجتمع فيه الشامي على المغربي على الصيني على الغربي على سكان الأدغال وبلاد تركب الأفيال، وقد تبلبلت الألسن، وسادت لغة الإشارات، والجموع تنتظم في عشرات (الكاونترات) تتسرب إلى الطائرات التي أضحت قلاعاً حصينة، وما بين لحظة عين وانتباهتها… يغيّر الله من حالٍ إلى حالِ، فالعالم رهن يديك… إلى الغد.