كل طريق جديد في اليمن هو إعادة لتشكيل الجغرافيا، اكتشاف عام لينابيع جمال لم يكن يراها إلا أقل القليل من أهلها، فأصبح في متناول الجميع، وفي خدمة السياحة والاستثمار ومصالح الناس المرسلة، وحين تحدثت الاسبوع الماضي عن الطريق الى وادي بنا، فقد كان بالنسبة لي اكتشافاً مفرحاً غير الخريطة الجغرافية المألوفة، فأنا مثل غيري لا أرى سوى ماكان على طريقي يميناً وشمالاً، وما اختفى في الأعماق أو خلف الجبال فهو مغَّيب عني، حتى تقودني اليه طريق غير وعرة، وفي احدى السفرات بين صنعاء وعدن قبل ربط طريق قعطبة – الضالع، كانت طريق سمارة مغلقاً فعبرنا طريق إريان وكان ترابياً ولكنه ممهداً وقد دهشت للطبيعة الجميلة في اريان وادركت سر صاحبنا مطهر الإرياني الشاعر المطبوع المليئ بأزهار الربيع وفوح الجبال وصلابة الصخر، وصرت كلما مررت عبر «معبر» وذمار اتخيل تلك المناظر الخلابة والخضرة المخضلة والمهاوي المدهشة والقرى المستكنة في أحضان الطبيعة، وأنا على يقين انها لازالت في مواقعها تنبض بالحياة وتتلحف بأردية الجمال وقد قادتنا الطريق الى أسفل سمارة مجدداً، ومن ثم الى سحول بن ناجي حيث طلب مرافقي «عبدالقوي بن ناجي صالح».. وهومزارع من قرية «القدمة» في يافع ان نتوقف امام السحول الذي كان يغص بالاخضرار وقد ذهب على قدمية ووقف بجانب بقرة تبدو عليها مخايل النعيم ونضرتها فأخذ يهمس في أذنها وانا اتعجب فلما عاد سألته فأجاب قلت لها انها في اعز واخصب ارض يحسدها حتى البشر الذي يتمنون لو خلقهم الله على شاكلتها على ان لايبارحوا السحول، وأردف قائلاً: وقد حذرت البقرة بشدة من ان يأتي زيد أو عبيد من الناس ليضحك عليها ويشتريها ثم يأخذها الى يافع مصوراً لها كذباً انه سيأخذها الى النعيم.. وعبدالقوي هذا هو واحد من أخف الناس دماً، واعذبهم حديثاً.
وحين تم انجاز طريق المخا -عدن انفتح أفق من الارض ماكان لخيالي ان يتصوره، وخاصة تلك الشواطئ البكر الهلالية كأن لم تطأها قدم من ملايين السنيين والمسافة ما بين الشاطئ وسلاسل الجبال التعزية على امتداد النظر كانها مهدت خصيصاً لاستقبال عشرات المدن واستيعاب الملايين من الناس الذين يتكدسون على سفوح وقمم الجبال الداخلية وتجد مجاري السيول والامطار على امتداد الطريق في ارض غير ذي زرع ولكنها تعج باشجار البيئة التي تنبت على الطبيعة، والتجمعات السكانية قليلة لاتكاد تحسب على امتداد مائتين وثمانين كيلو متر تقريباً، لقد كان الناس مرغمين على سلوك طريق عدن-تعز للوصول الى صنعاء إما عبر إب وإما عبر الحديدة والآن اصبح الطريق الى صنعاء ذا ثلاث شعب الضالع – ذمار – عدن – تعز وعدن – باب المندب، المخا- الحديدة الطرق شرايين الحياة واحدى اعظم الوسائل لزيادة الانتاج الوطني وتبادل المصالح بين اجزاء البلاد المتباعدة، ولكنها عاطلة عن الزينة وهي تلك الحلبة التي تؤشر الى المعالم والمسافات إلا في القليل النادر وقد خبرت ذلك في الطريق الاستراتيجي من المزيونة على حدود عُمان الى وادي حضرموت والآن نسمع عن طريق عمران- عدن- والعدين- تهامه، وعن تواصل الطريق البحري حتى المهرة، عن السكة الحديد، وتوليد الطاقة نووياً، والحبل على الجرَّار.. عمار ياوطني.