من شرفة الكتابة

تبدو اليمن من شرفة الكتابة عالماً من السحر قد لا يدركه اصحابه، ولكن العين المبدعة القادمة من خلف الغيوم تدرك انه عالم مختلف وفريد

ولابد ان يسجل ويوثق وتعلق بعنقه القصائد كما فعل سليمان العيسى، او تتلى في محاريبه التراتيل كما فعل امين الريحاني في كتابه المشوق «ملوك العرب» او يستعاد التاريخ الاسطوري لملكة سبأ والسيدة اروى والمكاربة والتبابعة والاقيال وطريق البخور وما دونه وكان بدءاً وهب بن منبه في مسامراته مع معاوية بن ابي سفيان وما احتوت من وقائع امبراطورية في الشرق والغرب، وكان يتدفق من ذاكرة مثقلة، حرص معاوية على تسجيلها فكان منها كتاب «اقيال حمير» الذي طبع أولاً في حيدر اباد في الهند كما هو حال ديوان العارف عبدالرحيم البرعي الذي تندى مدائحه النبوية وآلامه الدنيوية ما بين الخرطوم والخليج والهند تحت ايقاع «الطيران» وتهدجات المنشدين، ودموع المتعلقين باسباب السماء، الاسبوع قبل الماضي كانت الروائية الاردنية الموهوبة سميحة علي خريس في حضرة اليمن التي لا نعرف وقد مسها السحر والوقوع في الحب من اول نظرة حتى ان مرافقها الصحفي الشاب جعفر العقيلي اخذ يتوسل الى علي الحميدي ان يبحث له عمن يختطفه ليبقى هناك في ذروة من ذرى «المحويت» المعلقة بين اشطان النجوم، مع الاسف، لم يختطفه احد، وقد رأيت سميحة في «ابو ظبي» قادمة من صنعاء في طريقها الى عمان، وسمعتها تقول لابنتيها الجامعيتين: باريس، لندن، اسطنبول، اسبانيا.. اذا لم تروا اليمن، فما رأيتم شيئاً من هذا العالم.. يا الهي.. هل نحن كذلك دون ان ندري؟ امس كنت «أبَحْوِش» في اوراق وقصاصات منسية، فوقعت على قصاصة لعلي احمد سعيد «ادونيس» من جريدة الحياة اللندنية تحت عنوان «طمأنينة القلق.. تحية الى صديقي عبدالعزيز المقالح» وفيها نص كلمة القيت في احتفال خاص اقيم لتكريم عبدالعزيز في «معهد العالم العربي» بباريس في 15 نوفمبر 2001م وفيها يقول:

«اسمحوا لي ايها الاصدقاء ان اهمس لعبدالعزيز المقالح: من حظك ان تكون يمنيا، ان تعيش كمثل شجرة لا تفارق تراب اليمن، او كمثل هواء عاشق لا يريد ان يهب الا في صنعاء، للجبال والاودية والحقول في اليمن لغة تخرج من شفاة ليست سبأ ولا بلقيس فاتحتها، وانما تذهب الى ابعد لغة تضع الانسان وجهاً لوجه مع البدايات.. في هذه المنطقة العربية من العالم، حيث يميل كل شيء فيها الى نهاياته، حيث يهيمن الذعر على اللغة نفسها، فتستيقظ كل صباح تتلمس ابجديتها لم اشعر مرة في اي بلد عربي بما اسميه على نحو مفارق ب«القلق المطمئن» كما شعرت به واشعر في اليمن، العقل في هذا البلد قلب، والقلب ينبض بدم اخر، او بنوع من شطح العقل، وتلك اللحظة التي ينتشي فيها الانسان، بسبب او آخر، ويشعر انه ممتزج بكل شيء، انه جزء من التراب والعشب والشجر، انما هي اللحظة التي تهيمن على الزمن اليمني، هذا الزمن لحظة خاصة داخل الزمان العربي الحكمة التي هي في الوقت نفسه نشوة، الشيء الذي يظهر في لباس اللاشيء، السكر الذي ليس إلا صحواً، الانخطاف الذي ليس الا استبصاراً، القريب الاقصى، التوازن بين الريشة والصخرة.

تلك هي بعض من الخصائص، ترحل اذن في اليمن، وسوف تشعر كأنك تترحل في موسيقى كينونة، كأنها نَفَس الخالق مبثوثاً في صور بلا نهاية».

انتهى المقتطف من «ادونيس».. يا الهي هل نحن مرئيين بهذا القدر ومغيبين بقدر ذلك، هل نحن أغنياء بهذا الترف وفقراء مدقعين، رفعت سماعة التلفون وتحدثت الى صديقي خالد الرويشان وتمنيت ان تنشر نصوص الرأيين المطبوعين لنتعرف على انفسنا.. اللهم اغفر لنا.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s