رحم الله عبدالله عبدالوهاب الفضول صاحب «مكانني ظمآن» شق الظما صدري واشعل في عروقي الدماء.. فقد كان من عتاولة الميدان ولكن على رقة ولطافة لايبررها سوى الحرمان، ومن أين تأتي اللآلئ، غير من الاجساد المجرحة التي تبتليها البحار بالعذاب.
أما زميلي خدن الصف الواحد والمقعد المشترك في المعهد العلمي الإسلامي بعدن، الفنان الكبير أيوب طارش الذي تربى في مدرسة القرآن الكريم وبدائع تُلاته من عظماء المؤدين المصريين على وجه الخصوص، فقد اقتاده زمنه الذي شد خطام جمله، الفضول المبدع، الى حيز الغناء والإنشاد وترتيل المشاعر الآدمية المجرحة في جبل صبر ووادي الضباب وشواطئ عدن التي فيها الهوى ملون، وقد تمكن الثنائي من انهاض المدرسة التعزية-الحجرية في الغناء، فجاءت نسقاً ولا أبدع، وحلية ولا امتع على صدر الغناء اليمني.
أيوب رجل وفنان على نياته، يمشي في مناكبها كذلك القائل «كل من معه محبوب وانا لي الله» وعلى عكس القائل المنشد محمد محسن عطروش الذي جسد مثل أيوب فن منطقة عريقة كان أو كانت في الظل فنقلها الى حيث الضوء يتلألأ، وللعطروش مكانة مثل أيوب، قد يقال عنها في قابل الأيام ماقيل عن جنات سدّ مأرب من ان الماشي يسير في ظلال اشجارها وثمارها اليانعة سبعة ايام، يفرغ بين لحظة واخرى السلة التي على رأسه من الثمار المتساقطة فلا يجوع ولايعطش، قبل اشهر قليلة تحدثت مع ايوب بالتلفون فوجدته بالكاد عرفني، وقال: أيوه:«تذكرتك يافضل النقيب، انت كنت عريف الصف، قلت له نعم وأضفت:، وكنت اغبطك على الرعاية الفائقة التي كان يوليك اياها الشيخ محمد بن سالم البيحاني، مؤسس المعهد العلمي الاسلامي رحمة الله عليه، وقد شعرت حين نطقت اسم الشيخ كأن ايوب غص بماء.
والتقيت بمحمد محسن عطروش في مقيل الاخ الاستاذ سالم صالح محمد في صنعاء فوجدته مازال يقاتل كما عرفته في الأيام الخوالي حين تهاوشنا على الهواء على شاشة التلفزيون أمام الله وخلقه في تلفزيون عدن مطلع سبعينيات القرن الماضي.. ياسلام يابن عطروش؟ اسحب اتهاماتي لك كلها، فاذا لم احببك انا فمن ذا يحبك؟ فماكنت غير واحد من قوم غزية، وقد غزت في تلك الأيام فغزوت، وحين رشدت رشدت، خبير الكف قال لي، حبيبك ذا أصيل، يحبك مثلما انته، تحب واكثر قليل.. الله ياشادي.. والله يابن طارش، وثم الله الله على حاملين الاثقال من فنانينا العظام.. لذلك اشعر بامتنان ومحبة لكل من يكرم هذا الرعيل الجميل، وإلا كيف يا «مرشدي» يامن جمعت الى بلاغة الغناء جمال الاريحية الوطنية على تخوم الخطر، وكيف لي ان أحيي عناقيد العنب الصنعاني:
الآنسي والسنيدار والسمة ومن لا استطيع عدهم او تذكرهم. تحية للاستاذ خالد الرويشان العامل الدؤوب على خلية النحل لتجميل الجمال وتعسيل العسل وآخرهم ابو بكر القوي وقد جاء البترول فعلاً بكلماته ولحنه وغنائه وحدسه المتعدد المواهب.