جونتر جراس- عند تقشير البصل

جونتر جراس
جونتر جراس
الوسط الأوروبي الثقافي والى حد ما السياسي ومعهما الرأي العام الألماني وفي بعض دول الجوار، مشغولون بالبوح الذي نفس به عن مكنونه الروائي العالمي الألماني الحائز على جائزة نوبل «جونتر جراس» الذي عُرف بانحيازه الى سدرة الانسانية بدون تمييز ودفاعه عن قيم الحياة العادلة بدون تلوين وإقرانه القول بالعمل كما هو حاله مع «اليمن» التي عشقها وتعلق بها حضارة وطبيعة وانساناً، فبادر الى تقديم النموذج بإحياء صناعة البناء القديم في وادي حضرموت، وقدمها للناطقين بالألمانية باعتبارها من كنوز الدنيا المخفية.

الشاهد أن «جراس» في مذكراته المعنونة «عند تقشير البصل» ذكر انه في حداثته (15عاماً) تقدم للتطوع في البحرية الألمانية فرفض طلبه لصغر سنه، ثم جرى استدعاؤه عام 1944م والحرب العالمية الثانية تؤذن بالانطفاء للإلتحاق بالتجنيد في سن الـ17، وجرى ضمه الى المنظمة النازية (الاس اس) اي قوات الحراسة التي اشتهرت بالوحشية واقتراف جرائم حرب ولكنه خلال هذه الفترة القصيرة لم يطلق رصاصة واحدة وعند انتهاء الحرب اعتقله الامريكيون لمدة عامين ثم اطلق سراحه.

لم يكن أحداً يعلم عن هذا الفتى شيئاً من هذا القبيل فقد عرفته المانيا والعالم أديباً مبدعاً جهير الصوت حتى وصف بأنه «مؤسسة اخلاقية» لها سلطة على الضمائر ورأي مسموع وموقف يبنى عليه، ولكنه في اعماق نفسه الغائرة ظل هناك مايؤرقه لا لأنه ارتكب جرائم حرب في يفاعته ولكن لانه لم يقل ذلك للناس الذين عرفوه مناضلاً دؤوباً فاضحاً لكل مخازي النازية وانحرافاتها، ولذلك وقد شارف على الثمانين من عمره (مواليد 1927م) ولمناسبة كتابة مذكراته الذي اختار لها هذا العنوان اللافت «عند تقشير البصل» كناية عن تجريد القشور مما لاينفع الناس والغور الى قلب الحقيقة بكل مايعنيه ذلك من متعة وعذاب ومعاناة لأن مقشر البصل عادة مايناله من روائحه اللاذعة الكثير، فما بالك بمقشر الانسان والتاريخ والنفس الانسانية المتعددة الطبقات.

حين فجر جراس زلزاله وتحرر من سرِّه الذي أثقله كان يعرف أنه أدخل يديه في وكر الدبابير، ومن في نفسه شيء منه بحق أو بغير حق فقد واتته الفرصة لينهش من لحمه، وليس لديه مانع من ذلك فقد اختار البوح بمحض إرادته وبحر اختياره، حتى قال بعض النقاد ممن لايعجبهم العجب، ولايأخذون الأمور بمنطقها الواضح، ان الرجل تعمد تفجير قنبلته لكي يسوق مذكراته التي ستنزل الى الأسواق خلال عشرة أيام ولكي يعود الى قلب دائرة الضوء في الحياة الثقافية، وطبعاً هذا منطق السوق الرأسمالي، حيث كل شيء سلعة، ولكل سلعة ثمن وترويج. صحيح ان الناس التفتوا بقوة الى المذكرات وان «جراس» اصبح على كل لسان، إلا ان هذه نواتج عرضية وليست القصد «ليخ فاليزا» رئيس منظمة تضامن البولندية المناهضة للشيوعية نصح «جراس» بأن يعيد المواطنة الفخرية لمدينة «دانتسيخ» البولندية والتي حصل عليها عام 1989م، وهي المدينة التي تدور فيها أحداث ثلاثيته المشهورة :«طبل الصفيح» و«القط والفأر» و«سنوات الكلاب».. وكلا «ليخ فاليزا» و«جونتر جراس» مولودان في هذه المدينة المختلطة، فيما الناقد «كاراسيك» دعاه لتسليم «نوبل» لأنه «حصل عليها احتيالاً» ولكن آخرين رأوا في موقفه شجاعة وأية شجاعة تستحق الاحترام، وان اعترافه زاد من قيمته الانسانية..
على كل حال.. كفى المرء نبلاً ان تعد معايبه

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s