كرة القدم تلعب بأدمغة العالم وهم يظنون انهم يلعبون بها وهذه من الخدع اللطيفة التي يجري فيها تبادل الادوار دون اتفاق مسبق « انته ظالمني وناراضي» على حد تعبير ام كلثوم، ولقد استطاعت حكومة الفيفا العالمية ان تحكم قبضتها على «بازار» المتعة الكروية وان تسوِّقه بأغلى الاثمان وتكوي بنيرانه الحامية جباه الفقراء.
واما الاغنياء فالمسألة ليست فارقة ولهم ايضا مندوحة في متع اخرى يمارسونها مع كرة القدم وبدونها، ولايدري احد اين تذهب كل هذه المليارات المحصلة والتي لا تشملها الضرائب حول العالم ويقال ان بعض الفتات تصرف لبعض الاحتياجات وبعض المحتاجين ولكن بشروط اين منها شروط صندوق النقد الدولي ورماحه المشرعة في وجوه الضعفاء واقفيتهم وقد اصبح رئيس الفيفا يتصرف كملك متوج «يأمر وينهي ويحكم داخل البندر.. دولة عظيمة ومحد يعصي الدولة» حسب تعبير العم يحيى عمر اليافعي الذي ملأ الدنيا غناء فكافأته بالفقر المزري والسفر المضني والخيبات العاطفية المتلاحقة التي فجرت ينابيع الشعر في قلبه المرهف.
وحيثما سرت حول العالم تجد حمى الكرة امامك تشمل الصغار والكبار والنساء قبل الرجال والكل خبراء في اللعبة وفي نجومها وكل واحد يجد من يتعصب له ويضعه نصب احلامه يدعو له بالفوز والفلاح ولغيره بالخسران وعدم النجاح وقد اغتنمت الفنادق وشبكاتها والنوادي وتوابعها والمقاهي والكافتيريات فرصة المونديال لاجتذاب الزبائن المغلوبين بالتشفير التلفزيوني واستغلال ما تبقى في جيوبهم من دريهمات بسيطة ودائما فان رزق الهبل على المجانين.
كما نشط مخترقو التشفير من غناة الرقميين فسهلوا على الناس مقاربة المحظور الذي ما انزل الله به من سلطان والعدة المطلوبة هي دش صيني صغير وجهاز استقبال وتنفتح امامك الاقمار الاوروبية الى الابد ومن هناك تابع من تشاء كما تشاء بعيدا عن دوشة المعلقين الذين يدعون في الكرة فلسفة وقد غابت عنهم اكثر الاشياء فصاروا يقلدون المنجمين الذي قيل عنهم «كذبوا ولو صدقوا».
الشيخ صالح كامل محتكر المونديال في شرقنا المغلوب على امره ابى الا ان يشد انشوطته في خيشوم السمكة وما عليه ان نزفت حتى الموت وقد صادفته قبل اشهر في حفل تربوي في دبي اقامه الحاج سعيد احمد لوتاه لخريجي مدرسته الرائدة في اختصار الزمن وشحذ الوعي والتأهيل الميداني فقلت لنفسي ما عليك لو سلمت على الشيخ صالح وتمنيت عليه وقد اكرمه الله بما يفوق حاجته وحاجة ابنائه واحفاده الى يوم يبعثون ان يكرم الناس حتى يدعون له بالصحة وطول العمر ولكنني راجعت نفسي بعد ان اقتربت فقد خشيت ان يلسعني بكلمة لا تقوم لي بعدها قائمة وكان بصحبته رجل يدفع كرسيه المتحرك.. وهكذا هي الدنيا حالها حال كرة القدم القُلّب، ومحد عليها مستريح.