(ماليزيا) مملكة (محاضير محمد) الذي ألهم زعماء كثيرين في العالمين العربي والإسلامي. مقاربات جديدة لقضايا العصر لم تعد كذلك مع (عبدالله أحمد بدوي) رئيس وزرائها الحالي المحبوب ماليزياً والمجهول – إلى حد ما – خارجياً. ومن المبكّر الحكم على هذا الرجل الذي جاء من عظام رقبة (محاضير)، وهو اليوم يتعرّض لقصفه، وإن كان لا يستطيع أي (محاضير) أن يفعل به ما فعله بأخ له من قبله وهو (أنور إبراهيم) الذي كان نائبه ووزير ماليته، ثم أحاله إلى عدوٍ مبين، وقال فيه ما ليم يقله (مالكٌ) في الخمر، ثم جازاه جزاء (سنمار) بأن ألقى به في السجن، تحت تهم يندى لها جبين الإنسان العادي فما بالك بالزّعيم المبجّل (محاضير) باني ماليزيا الحديثة، وفي المثل إن غلطة الشاطر كبيرة، و(محاضير) شاطرٌ وأي شاطر، ولكن: لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان، وهو قد دخل في المحاق.
وقد لخّص لي سائق تاكسي هندي/ماليزي الموقف بالقول: “(محاضير) سياسي كبير، و(عبدالله بدوي) سياسي نظيف”. ويبدو لي أن شعوب الشرق هي بحاجة إلى النظافة أكثر من (البروبيجندا) السياسية، فالنظافة تؤسس، أما (البروبيجندا) “تعمّس”، ومع الأولى تضمن طريقك وإن طال، ومع “التعميس” – أي ضبابية الرؤية – لا تدري متى ستقع في حفرة قد تكسر رجليك، كما حدث مع نمور هذه المنطقة حينما انهارت عملاتها في سوق المضاربات، فأصبحت هشيماً تذروه الرياح، والناس بين مصدقٍ ومكذّب، حتى ثبتت الرؤية، واتضح أن ما كان نذراً قد أصبح عذاباً واقعاً، ومثلهم في ذلك مثل ذلك الذي وجد أنوار (ليلة القدر) فقال لنفسه: “تحققت الأماني ودان الزمان”، ولكن لأجربها، فلربما كان ذلك مثل الصبح الكاذب، فقال: “يا رب، صغـّر رأسي”، فإذا رأسه بحجم بيضة عصفور، فركبه خوفٌ شديد أقعده عن التفكير المتوازن، فقال: “يا ربّ… كبّر رأسي”، وكان ينظر إلى الأنوار من شباك البيت، فإذا رأسه بحجم برميل البترول – الذي هبطت عليه ليلة القدر في أيامنا هذه – ، وحين وجد نفسه عاجزاً عن سبح رأسه من الشباك ولم تبق له سوى أمنية واحدة من الثلاث قال: “يا رب، أرجع رأسي إلى حجمه الطبيعي”، وهكذا أصحابنا النمور، وقعوا بين أيدي نصابي المضاربات العالميين فأخذتهم الصّيحة فإذا هم مُبلسِون.
ما علينا… فـ (محاضير) ماليزيا أصبح ينافس (كلينتون) أميركا في المحاضرات وإسداء النصائح وتقديم المشورات، واللمعان في المؤتمرات، “ومن وجد الإحسان قيداً تقيّدا”، و”كل شيء بثمنه في عالم (البزنس)”، والوقت من ذهب، وإذا كنت ذكياً فلماذا لست غنياً، كما يقول المثل الأميركي، والدنيا أصبحت علاقات عامة: “أمورٌ يضحك الجهّال منها… ويبكي من عواقبها الحليم…”
على كل حال في بلاد (الملايو) تجربة تعايش مستقرة، فالسكان الأصليون – وهم جميعاً من المسلمين السنة – يشكّلون 60%، و 40% من أصول صينية وهندية متنوعة، الصينيون جاؤوا شبه تجار طامحين، ووراءهم تراث غني، ثم مكّنوا لأنفسهم في الأرض حتى جرى قبولهم كعنصر مشارك. والهنود جاؤوا فقراء يستحلبون المطاط من أشجاره في الغابة الماليزية العظمى، والعنصران الوافدان معاً يبرز وجودهما حالياً في المدن، بينما (الملايو) متجذرون في الغابات والأرياف، وقليلٌ هم في المدن وعالم الأعمال. ولكن الحراك الاجتماعي ليس ثابتاً بسبب انتشار التعليم والعين السّاهرة للحكومة التي يشلكلها الملايو، وللآخرين نصيب القط بجانب الأسد… ومثلما قلت، التجربة ملهمة لتعايش إنساني منتج يستفيد فيه كل طرف مما لدى الآخر، كما هو شأن الأشجار في الغابات، تتعد أنواعاً وتتآلف حياةً…