لابأس أن تعقد الندوات واللقاءات السياحية وان تندلع الخطب والتمنيات وان تُستعرض الفرص وتنعقد المسميات فذلك جانب من جوانب العمل وصناعة السياحة ولكنه لايغني عن العمل في الميدان وعلى الأرض، فمن السهل اشادة قصور من الاحلام والاوهام بالكلمات، ولكن بناء حمام وترتيب نظافته في موقع آثاري عالمي مثل محرم بلقيس هو عمل له من الاهمية ما يجعل منه منبراً يتحدث بأن احفاد القوم اولي القوة والبأس الشديد قد بدأوا رحلة الالف ميل بخطوة صغيرة ولكنها على الطريق الطويل وليست رمية في الفضاء المفتوح.
سألت الدليل الذي تخصص في الآثار بألمانيا ويحضر للماجستير بعد ان انجز البكالريوس عن سير اعمال التنقيب، وكنا تحت الشمس الحارقة في معبد «اوام» ولم تكن في الجوار أية مظلة او حتى طفلاً يبيع الماء البارد، فأجابني بأن التنقيب توقف منذ عام 1952 بعد رحيل «وندل فليبس» حتى نهاية التسعينات.
ياله من زمن طويل تسرب من بين الاصابع كما يتسرب الماء، ومع ذلك فقليلون هم الذين يستشعرون فداحة الزمن المهدور، لأن موارد السياحة الآثارية ليست شيئاً يذكر فإن حضر شيء منها فأهلاً وسهلاً وان غاب فلاعتب ولا احتجاج. وكانت المحافظة ممثلة بوكيلها لان المحافظ كان مدعواً الى شبوة قد أكرمت وفادة ضيوف احتفالات 22 مايو وفرشت لنا مائدة على الارض فحار اصحاب الكروش والسيدات في اقتعاد ذلك المقعد الخشن وان كان يحمل جمال البدائية حيث لاكثيب ولا قمر وانما السوافي التي استقبلتنا عقب الغداء «فتوضح فالمغراة لم يعف رسمها -لما نسجته من جنوب وشمال، قلت لاحد الشباب الذي كان قد رافقنا الى السد وقدم لنا شرحاً ممتازاً عن ظهر قلب: لو أنكم احضرتم مائدة وعليها كراسي لكان اكلكهم اطيب وأسوغ. طبعاً الكلمة لم تنزل له من زور كما يقول اخواننا المصريون، فألقى عليّ درساً في اهمية الحفاظ على تاريخنا وتراثنا بما في ذلك الاكل على الارض وان اقوت منا الركب، قلت له: إذن بيننا وبين صناعة السياحة مسافة مابيننا وبين السبئيين، ولا ادري من هو -سامحه الله- الذي اطلق على اسم الحمام الارضي «الحمام العربي» فوشمه بميسهم التراث علماً ان الحمام لم ولن يكون عربياً او افرنجيا او صينياً، وانما هو صناعة بشرية يؤخذ منها الارقى والانظف والاريح، اما غسل الايدي بصابون الغسيل فيبدو انها من التراث الحديث الذي لم يتم تسجيله في مصنفات ومدونات «اليونسكو» التي جعلت من شوارع صنعاء القديمة آية في الجمال حين رصفتها بالاحجار التي دعا الرئيس علي عبدالله صالح الى اعتمادها في كل المدن اليمنية لان لدى اليمن من الاحجار ما يعتبر من الكنوز التي لاتنضب، وكذلك لتشغيل يد عاملة عاطلة، ولجمالية الحجر وديمومته التي لمحها شاعر قديم وحسد الحجرعليها:
ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر
تنبو الحوادث عنه وهو ملموم
ماعلينا.. وقد شغل أحد الوكلاء نفسه وشغلنا معه بصلاة النساء، وهل ادينا فريضة الظهر مؤكداً ان مكان الوضوء متوافر قلت له: ياسيدي.. في الوقت متسع، فالح فنبهته إلى الرخص في السفر، للبدو والحضر، فازداد الحاحاً، فقلت له: يا أخي العزيز: اختنا تلك مسيحية، والأخرى عليها… هل ازيدك تفصيلا، وليس لدى البعض عدة الصلاة في مجلس كله رجال.. يعني.. إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، ولكل مقام مقال.