لجمال الوحشي نوع نادر مثل الماس الأسود، ومقاييسه تختلف عن مألوف الناس وتوافقاتهم، وفي رحلة نظمتها وزارة الاعلام للصحفيين العرب الذين شهدوا احتفالات الثاني والعشرين من مايو الى مارب، ذهلت لتجليات ذلك الجمال في تشكيلات الجبال التي يخترقها الطريق الاسفلتي الهابط من صنعاء الى صحراء فوادي الجنتين. أنت امام معرض هائل للنحت الطبيعي استغرق انجازه ملايين السنين على أيدي الرياح والأمطار والشموس الحارقة وآلاف من عوامل التعرية التي أبدعت تلك القطع الفنية التي جعلت المجموعة الصحفية تشهق من الدهشة والإنبهار وكانت الى جانبي الصحافية المصرية (هويدا عطا) التي تعمل في مجلة «المرأة اليوم» في ابو ظبي وقد تناهى الى سمعي صوتها وهي تتابع تلك المناظر بكاميرا فيديو وتعلق بالقول «أهرامات» اهرامات كثيرة، بدون فراعنة.. سبحان الله .. سبحان الله..
قلت لها وهي كالمسحورة: أنت في اليمن ياهويدا وما رأيته هو بمثابة أذن الجمل ليس إلا، طبعاً المنظر المتاح من الطريق ومن خلال سيارة مسرعة هو مجرد عينة.. ولكن الناس وبحكم العادة يمرون بهذا الجمال الوحشي دون أن يروه، وإن رأوه لايفهموه، وربما أشاحوا عنه متجهمين، فهذه الثقافة عابرة لاهتماماتهم، وماوقر في أذهانهم من أنواع الجمال والجلال، وهي تحتاج لتكشف عن مكنونها وكنوزها الى فرق عمل تضم جيولوجيين ورسامين ومصورين محترفين ومخرج سينمائي وكتاب نصوص واسعي الخيال. إن حضارة مارب في تموضعها بوادي الجنتين تبدو وسط هذا الجمال والجلال الطبيعي كواسطة العقد، بهاء انسانياً اخضر، يحتوي صروحاً ممردة تسترد انفاسها من قسوة الزمن وانهيالات الرمال وغشامة الانسان، ولك أن تغمض عينيك لترى ملكة سبأ على العرش في قلب الجنتين «لقد كان لسبأ في مسكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور». مازالت البلدة هي البلدة الطيبة والرب الغفور يتعهدها بشآبيب الرحمة بعد اكتمال السد بأنابيب الري التي يؤمل الانتهاء منها قريباً، والوادي عامر بالخيرات، من كل فاكهة وأباّ، ومن وراء ذلك حقول البترول التي انقذت اقتصاد اليمن في اقسى محنة مر بها في 1990م، لكأن بلقيس ادخرت لرعيتها هذا الكنز «إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم».
كان الشيخ المأربي حسن محسن دخنان مستشار وزارة الاعلام بمثابة «القيوم» على المجموعة الزائرة يلاحظها دون ان يثقل عليها، وينطبق عليه حقاً المثل الشائع «الرفيق قبل الطريق» ولم ينس في ذروة انشغاله تدبير حزامين نسائيين فضيين أهداهما للسيدتين عايدة العلي سري الدين من لبنان وهويدا عطا من جمهورية مصر العربية كذكرى « مأربية» من أرض ملكة سبأ التي أوتيت من كل شيء، وهو معنى مطلق يوسع حدود «أولي قوة وأولي بأس شديد».
المشهد السياحي بائس خلا من المنشآت الحديثة لكأن الحاضر يتكئ على بقايا الماضي، وهذا يخالف منطق الاشياء، والسياحة إذا أعطيتها أعطتك، وكما نقول «إذا أردت المائة فادفع الخمسين» و«عاد المراحل طوال»، فليس بالكلام وحده تدر السياحة وتبيض ذهباً