تجليات مضيئة

اليمن تجليات جغرافية إلهية رسم الانسان على سطوحها بعضاً من شواهد حضوره في التاريخ، وفي كل الاوقات فإنها سجل مفتوح لمن يحسن الكتابة والقراءة والاصغاء وامعان النظر في بحرها وبرها، وما يعتورهما من فساد وما يضيؤهما من مصابيح، واذا كان الفساد زري الهيئة حالك السحنة منتن الرائحة، فإن المصابيح مضيئة الوجوه فسيحة المدى تبعث على الامل بانارتها لدروب الخير، وتبتعث العزائم القوية بتقديمها للنموذج الملهم، والعمل الصالح.

قمت بزيارة لاستاذنا الدكتور عبدالعزيز المقالح في منتسكه بمركز الابحاث والدراسات، ومن رأى صنعاء ولم ير عبدالعزيز فما رآها، انه احدى نسمات الله التي تمر على الارض رخية وادعة هادئة تبعث على الطمائنينة، ويكفي ان الرجل النبيل عاكف على جماليات الحرف وسبحات اللغة وفتوحات التأمل غير عابئ بأولئك الذين يحصبونه كما تحصب الاشجار العالية المثمرة، وهو كما «الشعر اليمانية» يراه العالمون من الجهات الاربع فيرون فيه وطنه، مهد التاريخ والعرب، وقد عجبت لاولئك النفر ممن ينقمون على العالم استقامته وعدم خوضه فيما يخوض فيه كل من هبَّ ودبَّ ممن يقصدون اسلاب الدنيا وبهرجتها، ووجدت في مآخذهم سقط الفكر، وهوان المبدع على ابداعه حين يسممه بالبغضاء والتعالي الأهوج وقاموس ما ينكره قاموس الألسن العفيفة:
اقلوا عليهم لا ابا لابيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

سألت الاخ طه أحمد جابر عفيف عن الوالد واخباره، فاخبرني انه هو الآخر ينعم بسلام الثقافة ونسيمها الرخاء، وقد طلق السياسة غير آسف ولا متحيف للقاء، وقد وزع بين الاولاد بعضا مما حازه في دنياه، واطلقهم كالطيور الى ارزاقهم بعد ان سجل كل شيء لصالح مؤسسة العفيف الثقافية ووقعهم جميعاً ليكونوا شهداء على أبيهم والله على كل شيء شهيد، أحمد جابر عفيف احد الوجوه النبيلة لتجليات اليمن الحضارية، واذا احلو لك الفساد الذي اعمى الناس عن دينهم ودنياهم، فإن في هذا النموذج العاطي غير ا لآخذ ما يعيد بعضاً من التوازن الى النفوس المنحرفة المنغلقة على أنانياتها المتوحشة، ولعل من اصلابهم من يأت نقياً كمياه الينابيع ليكفر ويتجاوز في الخير ليبلغ سماء ما تجاوزتها سماء.

جلت في صنعاء القديمة برفقة الاخ الخلوق عبدالقدوس المنصور مدير مدينة التكنولوجيا التي تبعث على الأمل في مستقبل مواكب للركب البشري، وقد وصلنا الى ساحة قال إن اسمها «سوق العرج» وهي تستقبل الحمير المصابة والتي لم تعد صالحة للعمل، وقد اوقف عليها بعض الصالحين ما يوفر المأكل والمشرب والرعاية لهذا الحيوان الملازم للانسان في كده وشقائه، ولم يفعل اهل صنعاء ما تفعله حضارات اخرى من اطلاق رصاص الرحمة على الحيوان الذي لا يستنفعون بلحمه ولا بعمله، فماذا نقول لقساة القلوب الذين ينزعون مصل الحياة من افواه اخوانهم.

ومن عجائب اوقاف صنعاء ذلك الموقوف على اطفال الفقراء لاعطائهم عيدية، يرونها في ايدي اطفال الاغنياء ولا يستطيعون الوصول اليها، فكيف فكر ذلك الحضاري العظيم في هذا المنحى من الوقف الذي يدق على الافهام لدى الاغنياء الذين هم اقرب الى الهوام ولا اقول العوام، فمنهم من يتفجر خيراً كما يتفجر الماء من قلب الصخرة الصماء.

اما «عود الوقف» في كوكبان فانه حديث تسير بذكره الركبان، وقد تخرج من عود الوقف اساطين في الغناء وعازفون محترفون، تهذبت طباْعهم ورقت اخلاقهم، وحسنت معانيهم وطابت مغانيهم، فتنوروا بموسيقى الوجود التي يحاربها الغلاة ويؤثمونها:
ومن يك ذا فمٍ مرٍ مريضٍ يجد مراً به الماء الزلالا

و.. لابد من صنعاء وان طال السفر..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s