إنه سفح معمور، وسيتسلق الناس الجبل المهيب حتى يبلغوا الذرى، يقودهم الأسفلت الذي يتلوى كالثعبان، وقد احدث انقلاباً في حياة اهل الجبل فصاروا يصلون الى المدينة كأنما بـ«البراشوت» يمتازون منها ما يشاؤون ويبعونها ما ينتجون،
والناس للناس من بدوٍ وحاضرةٍ بعضٍ لبعضٍ وان لم يشعروا خدم.
كما احدث الطريق الأسفلتي الذي بني على نفقة الامير سلطان بن عبدالعزيز انقلاباً في حياة أهل تعز – المدينة، وزوارها فصار الجبل مقصداً للسائحين والزائرين وعشاق الجمال، وأولئك الذين يحبون العيش رغم الداء والاعداء.. كالنسر فوق القمة الشماء.. على حد تعبير ابي قاسم الشابي الذي كان يعاف الحفر ويحب العلو:
ومن لم يجرب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
روى لي الشيخ علي محمد سعيد في بيته الجميل على منحنى من السفح قصة الطريق فقال: زار الأمير سلطان بن عبدالعزيز تعز فلمس حاجة سكان صبر الى طريق ليصبح معلماً سياحياً ومجالاً لتبادل المنافع بين سكان الذرى ومن حلوا في الوادي، فسلمني شيكاً بعشرة ملايين دولار قائلاً: اشرف على الانجاز بنفسك، وكان ان اتصل فخامة الرئيس علي عبدالله صالح ليسأل عن احوال الزائر الكبير وكيف وجد تعز، فطمأنته واخبرته بقصة الشيك طالباً منه التوجيه، فقال لي: واصل ما بدأت على بركة الله، وشق الطريق.
وبرؤية رجل الأعمال الذي يجيد تثمير المال يقول الشيخ علي: لم اجعل العشرة ملايين دولار مالاً عاطلاً، وكان ان انتهى الطريق بعد زمن فاتصلت بالأخوة في السعودية طالباً منهم ان يستعيدوا ما تبقى بعد انجاز الطريق، فاستغربوا من ذلك لأنه كان في ظنهم أنني سأطالب بإضافات، فأخبرتهم بقصة التثمير فتعجبوا أكثر، وقالوا ابق المبلغ لديك لحاجات الطريق المستقبلية، وفعلاً فقد هدمت السيول جانباً من اكتاف الجبل في مواقع تطل على الطريق فقمنا بتثبيتها وتوثيقها وتأمين الطريق ولمرتاديه.. هكذا، هكذا وإلاّ فلا..
كان الشيخ علي محمد سعيد في مزاج الراوي في ذلك المقيل الجميل البالغ الهدوء فحدثني عن جانب من مسيرة حياته وكيف أنه ودع عمه هائل في مطلع خمسينات القرن الماضي بعد ان بدأ أحمد هائل يساعد في العمل بعدن، وذهب الى الحديدة وأخذ وكالة الغاز «ابو غزال» حيث اليمن لم يعرف الكهرباء بعد، وهكذا خطوة بعد خطوة،، وطموح يتلوه طموح، وقد بنى اول بيت خارج تعز القديمة، وكان بمقاييس وقته ملفتاً للنظر حتى وصل خبره الى الامام احمد في الحديدة، وقد كانوا يتصلون به من تعز التي اتخذها عاصمة له وذلك لترتيب الاحتفال بقدومه، فقال لهم: كيف اعود وهناك من يبني بيتاً ينافس بيت الامام؟ ولو كانت الارزاق تأتي بقوة لما حصّل العصفور شيئاً مع النسر..
اما القطعة الكبيرة التي بنى عليها العديدون من آل السعيد على سفح صبر فيقول الشيخ علي انه ابتاعها عام 1958م وعندما شاد البيت استوحش الاهل وكانوا يتساءلون من أين نأتي بما نحتاج اليه؟ لقد كانت المدينة التي تتسلق الآن كل الجبال مجرد قرية كبيرة غارقة في منحنيات الوادي، ومن هذه النقطة يتحدث الشيخ عما شهده اليمن من تغيير كبير فقد كان يقضي ثلاثة ايام من العناء للوصول من تعز الى صنعاء، والآن ما ثم غير بضع ساعات مريحة بالسيارات الفارهة وعبر المناظر الخلابة، أما في الجو فإن المساحات تطوى طياً.. كأنما هي السجل للكتاب.
إنَّ الذين عاشوا المرحل يعرفون أين كنا وأين اصبحنا؟، وعلي محمد سعيد الذي قال لي انه لا يعرف في حياته هواية غير العمل حتى في منامه حين يوقظه شاغل فإن الورقة والقلم بجانبه يسجل فيها برنامج عمل الغد، وهو حين يذهب إلى أي جتماع لا بد له الالمام بكل التفاصيل، لانه لا يرتجل ابداً «لم يبن ملك على جهلٍ واقلالً».
تحدث باعتزاز كبير عن موافاة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح له بباقة ورد لمناسبة عيد ميلاده الثمانين قائلاً: حتى بعض أهلي لم يتذكروا المناسبة، واعتذر عن مرافقتي في الغد لزيارة المؤسسات الخيرية لآل السعيد، قائلاً إنه سيستقبل الاستاذ عبدالعزيز عبدالغني ثم يذهب الى عدن ومنها الى صنعاء.. امسكوا الخشب..