
محمد عبده زيدي إحدى فلتات الزمن الفني لمدينة عدن التي احتضنت جميع فنون اليمن وفنانيها، وقد عاش غريباً ومات غريباً رغم شهرته الواسعة وعطائه المديد,كان يبدو لي على الدوام يتيماً أو كاليتيم ويكاد المرء أن يرى الدموع خلف عينيه تريد أن يؤذن لها بالتدفق، ولكنه كان فناناً ورجلاً مليئاً بالكبرياء والاعتزاز، وقد بنى نفسه حجراً حجراً رغم إعاقته التي لم أجرؤ يوماً على سؤاله عنها وأظنها شلل الأطفال.
لم يبارح طفولته ولم يفارقها فجمع إلى الحزن الذي يبدو جلياً حين يغفل عن نفسه تلك الشقاوة المحببة وتدبير المقالب للأصدقاء أو الإيحاء بها لغيره، وكانت تلك المقالب إحدى مسرات حياته القليلة وقد شاركته في الكثير منها حين كنا نعمل سوية في وزارة الثقافة المظلومة آنذاك في السبعينات حيث صحونا ذات صباح وجميع مكاتبنا وملفاتنا مرمية في ميدان كرة القدم بالتواهي، لأن وزارة أمن الدولة تريد المبنى الذي يقطنه مطاريد الوزارات، وكان جميع الفنانين تقريباً منتسبين إلى تلك الوزارة التي كان يرأسها الأستاذ عبدالله باذيب، الذي لم يجد مفراً من الإذعان للغة القوة التي فضلتها وزارة أمن الدولة على الحوار والتراضي، وكانت الرسالة واضحة وقد وصلت إلينا جميعا وإلى وزيرنا المهذب المثقف رجل الحوار والموادعة.
حدثني الأصدقاء عن أيامه الأخيرة، حين لم يعد يتكلم إلا بعينيه اللتين أطلقتا إسار الدموع لتقولا ما لا يقال.. من ذلك المزيج المعذب خرجت ألحان الزيدي وأغانيه وستظل نبراساً للعشاق والمعذبين لا ينطفئ.