صُنّاع الوجدان..

ذكرنا بهم العيد والفرح والاوقات السعيدة، ويذكروننا بطفولتنا وشبابنا وذكرياتنا الفريدة، وينقلوننا على اجنحتهم الى المدى المفتوح في جزيرة العرب والعالم العربي، لايطلب احد منهم تأشيرات دخول والا إقامات ولاهويات تعريف، فاليمن السعيد مرسوم على كلماتهم وحالم الحانهم ومتميز في أدائهم، انهم كوكبة من الشعراء والملحنين والمؤدين عبروا العصور وعبروا الحدود القلوب وتركوا بصماتهم على الزمن الفني والزمن الداني الوجداني وتناغموا مع الطبيعة الخضراء والبحر الازرق والعيون الساحرة وكثبان الرمال الذهبية، ونحن بحاجة الى إعادة تقييم لأدوارهم الحضارية ومواهبهم وأوضاع التربة التي ينبتون فيها ويترعرعون حتى نوليهم العناية المطلوبة ونضعهم في المكانة التي يستحقونها كمبدعين من الطراز الأول، فاليمن التي اشتهرت في الماضي بتصدير اجود انواع البن الى العالم قد تراجعت في هذا المجال الى دولة مستوردة لم يعد لها من الشهرة سوى كلمة «مخا» او «موكا» التي تتصدر الكثير من مقاهي العالم دون ان يعرف احد اصلها وفصلها ومالها.

والعالم يعرف اليمن اليوم بتعاطي القات الذي يحيينا ويميتنا ويسرطننا وقد تجرأنا على انفسنا فأصبحنا ننسب إليه الفضائل والمعجزات ونتغنى به ونحببه الى ضيوفنا ولم نقل يوماً لأنفسنا إذا ابتليتم فاستتروا.. وهل هناك بلوة أعظم من «ابو زريبين» الذي يهتك الجيوب ويسرق الكرى ويدوس على الوقت الذي بدونه لاتبنى حضارة ولايشاد اقتصاد وهويشرب الماء الذي نفترّه علي انفسنا ونسفحه بين يديه كما وانه يسرق اللقمة من فم الاطفال فليس مهماً ان يجوعوا او يعروا مادمنا مسلطنين في ملكوت القات الذي يتحالف مع رفيق دربه الدخان. لينقلنا الى عالم آخر تختلط فيه الحسابات فتحلق الافكار عالياً وتهبط الهم الى ماتحت الصفر، وحين ننهض من مجالسنا نكون كالمصابين بالكساح نجرجر ارجلنا ولانكاد نستضئ طريقنا، وياليل الصب متى غده؟

اما أولئك الذين كنا نعول عليهم من اطباء حكماء ومحامين بلغاء وشيوخ حلبو الدهر شطره، فإنهم قد سبقونا في الشوط وبلغوا الغاية في المزاج والاستمزاج والتفنن في انواع القات وطقوسه وجيتك ياعبد المعين تعنّي وجدتك تنعان» وزاد الطين بله دخول «الحريم الى سوق القات اجيالا بعد اجيال ولو رأيت افواههن المنتفخة وعيونهن الجاخظة لوليت منهن فرار وتستفتي من تتوسم فيه الصلاح والمعرفة فيقول لك امسك مجنونك لايجيك الذي اجن منه يعني بير ووقعنا فيها في ليل دامس وياليت القات كان سلعة قابلة للتصدير مثل البن اذ لغفرنا له ما الحقه بنا من اضرار ولكن دول الجوار صنفته ضمن قائمة ليست من صنفه والذي مايعرف الصقر يشويه وبقيت امامنا دول القرن الافريقي الشريكة في الهم ولديها الكفاية منه، وهي تفكر في التصدير الى اسواقنا بعد ان اخترقت اسواق بريطانيا وتايلاند وربما الصين كما ذكرني بعض القادمين من هناك.

ماعلينا.. اردنا ان نتحدث في الفرح وفي اجمل واوسع سلعة يمنية يتم تصديرها بدون عوائق تقريبا، وهذا من مضحكات الزمان واين الغني ازيده واين الفقير اقطع ايده.. ولكن الحديث جرنا الى القات بعد ان عبرنا على البن المغدور عبوراً خفياً.

ذكرني بصناع الوجدان الاستاذ العميد علي الشاطر رئيس التحرير الذي استفسر مني عن بعض الذين نزلوا ديار الخليج لاتنسى بهم إلا اسماؤهم والقابهم قبائلهم اما السبب فهو استكمال موسوعة حول الغناء في اليمن تنهض بها الشؤون المعنوية للقوات المسلحة فبوركت من اياد بيضاء تعيد صياغة المعنى في التكامل الحضاري للإنسان، وذكر الافندم علي انهم قد انجزوا سبعة مجلدات ولما يصلوا بعد الى حرفي العين والميمم حيث تتزاحم اسماء اليمنيين ومواهبهم ومنجزاتهم، هذا التصنيع التوثيقي الجميل أعادني الى زمان الصبابة فإذا بالالحان والكلمات والاصوات تزهر في نفسي كأنها ربيع ابي تمام:

«اتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً
وقل للزمان ارجع يازمان».

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s