
العالم لا وقت لديه لينشغل بي أو بك أو بأي احدٍ او حدثٍ آخر.. العالم مشغول بتقليب الصفحات يطويها كما يطوي السجل الكتاب ويحيلها الى متحف الذاكرة الذي يصنفها بدوره رقماً في فهرس اذا عني لي او لك شيئاً فقد لا يعني لغيري او لغيرك اي شيء.. اي شيء. فالناس على شاكلة عالمهم، كما انهم على دين ملوكهم.
«ادونيس» لم يحصل على نوبل الآداب، لا بأس لينتظر فالطابور طويل.. طويلاً جداً.. وكل واحد من الملهوفين جاء بجرته الى البحر الطامي من نقود «الفريد نوبل» التي جلبها من ضحايا الديناميت الحقيقي القاتل ليجعل منها «ديناميتاً» ثقافياً وحضارياً لكل الامم ولكل العصور:
ولما رأيت الناس شدوا رحالهم
الى بحرك الطامي اتيت بجرتي
اكثر فتوحات «ادونيس» في ترويض اللغة وتقعيد العقل العربي وهو في عمله ذاك كمن يروض ويدرب حصان السوق الذي يسحب العربات ليدخل به سباقاً مع العاديات ضبحا «المغيرات صبحا» اما في الشعر فمنجزه عظيم ولكنه يشبه نظرية «اينشتاين» في النسبية لا يستوعبها بقضها وقضيضها سوى عدد لا يزيد على اصابع اليدين حول العالم:
وكلٌ يدعي وصلاً ليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
قال ذات يوم: إنه اكتشف ان اسمه علي احمد سعيد يمني صرف، لذلك فاليمنيون يدعون له بـ«نوبل» فربما كان لهم من اسمه نصيب، ولكن اخطر ما قاله او بما معناه، تيقنه ان الزراعة في العقل العربي كالزراعة في شاطئ البحر يعني تغرسها نبتة خضراء وتحصدها اعمدة ملحاء ومع ذلك يحسب لهذا العابث الجميل انه لم يكف عن المحاولة تيمناً بـ«سيزيف» وصخرته يحملها بقضاء آلهة «الاولمب» الى اعلى الجبل فتتدحرج الى السفح فيتكتفها المسكين صاعداً بها وهكذا دواليك..
العالم لا وقت لديه يا «مهيار» الدمشقي و«هانيبعل» الفينيقي و«ادونيس» الاغريقي، وعلي احمد سعيد اليمني، واكثرية اصحاب «نوبل» اجراس تدق في عالم النسيان، واذا كنت قد صعبت على ابناء بجدتك فاشتبحت لهم كالعظم في الحنجرة وافسحت الطريق للمتحولات ايذاناً بولادة الحضارة الحديثة، ولكن التقاطتك حظيت بدراسات تطبيقية ابداعية على عقل اخر وثقافة سكونية وحراكٍ كحراك «جمل المعصرة» المربوط العينين.
أما «الكتاب» فأمره أمر، على حد تعبير الشاعرة العراقية معشوقة الشباب لميعة عباس عمارة القائلة في اسقاط ذي دلالة وان كانت تلك الدلالة ساذجة «اما المعلق امره امر» وهذا المنجز البديع كتابه المريع الفظيع تاريخاً وثقافةً، على اقدامها يقطر الدم، وحولها تتكوم الجماجم الكتاب «كفيل بهز أمة تستمر في تزييف تاريخها كما تستمر في شرب دمها:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
واسيافنا ليل تهاوى كواكبه
نعم.. ولكن: لقد اسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
مختاراتك يا صريع «نوبل» من ديوان الشعر العربي لا اجمل، ولا ابعد عن الوعظية التي تشبه خلايا الجلد الميتة، ولو اخذ المختارات في تلطيف الذائقة وتثمير الاحاسيس والسباحة علـى شواطئ الخيال وقراءة جمالية الضعف الانساني لكان بلاؤنا اقل بما لا يقاس بثقافة الموت وتحقير الجمال و«تحذية» اللغة على مقاسات الاقدام المتحجرة، ليت لنا جائزة «نوبل» فنمنحك اياها عشر مرات لا شبهة حولها ولا شية فيها ولا مزاعم تطبيع تستخدم للدس السياسي الرخيص.
العالم لا وقت لديه يا عم «ادونيس» وانت لديك وقت وجهد النملة التي تحمل خمسين ضعف وزنها، لقد دخلت التاريخ بـ«نوبل» وبلاها فلا نامت اعين الجبناء.