شهود بلا قيود

قالت البارونة ايما نيكلسون رئيسة بعثة الاتحاد الاوروبي لمراقبة الانتخابات في اليمن -والبالغ عدد المراقبين فيها 121 شخصاً- ان هذه البعثة هي اكبر البعثات التي أرسلها الاتحاد الاوروبي بدعوة تلقاها من اليمن، وعلقت على ذلك بالقول: «كان ذلك من دواعي سرورنا وشرف لنا ان قبلنا هذه الدعوة».

واذا كان لنا ان نشكر البارونة، العضوة المنتخبة في البرلمان الاوروبي منذ ست سنوات، ونائبة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي على مجاملتها اللطيفة التي لم تبتعد عن الحقيقة كثيراً، ذلك ان التجربة الديمقراطية في الجمهورية اليمنية قد قطعت شوطاً مرموقاً منذ تحققت وحدة اليمن طوعياً في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م والتي كانت حجر الزاوية في هذا البناء الذي تتواشج فيه مطامح النفوس مع منطوق النصوص في عملية تاريخية ليست الانتخابات سوى أحد وجوهها، وان كان وجهاً مفصلياً لاغنى عن بلورته وتثقيفه كما تثقف الرماح في الوهج لنفي الخبث عنها، ولذلك فإن الاتحاد الاوروبي الذي قالت البارونة انه اكبر ديمقراطية منفتحة على وجه الأرض سيكون مرحباً به في هذه الانتخابات وفي غيرها لأن تجربة اليمن معه تبعث على الارتياح والثقة، ومامن أحد ناضج يشكك في التجربة الديمقراطية الاوروبية التي تقوم على التعددية داخل دول الاتحاد الاوروبي وفيما بينها كدول، وهو النموذج الذي يرى فيه كثيرون ملهماً للعرب على مستوى وطنهم الكبير، بديلاً عن الاندماجات التي أثبتت هشاشتها وقابليتها للنزوع الى الاستبداد.

لقد سبق لدول كثيرة تعرفت الى الديمقراطية منذ أوقات بعيدة أن رفضت قبول اي بعثات دولية لمراقبة الانتخابات بحجة السيادة الوطنية والحقيقة ان الانسان المنصف لايستطيع ان يجد اي علاقة بين حضور شهود محايدين يزكون نزاهة العمل الديمقراطي وبين السيادة الوطنية التي لم تعد تعبيراً متشنجاً وانكفاء عن العالم.. ولذلك فان الرافضين للشفافية أمام المجتمع الدولي إما انهم يخفون شيئاً أو يخافون من شيء، وقد وجدنا المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بتنمية الديمقراطية وحقوق الانسان غالباً مايعتريها الشك تجاه اولئك الذين يجرون الانتخابات في الظلام مكتفين بتزكية أنفسهم وتخوين او التهوين من معارضيهم. ويترتب على هذا الأمر (أي رفض الشفافية والمراقبة) تعقيدات كثيرة في العلاقات تطال كل شيء تقريباً، ذلك ان الديمقراطية لم تعد مطلباً وانما اصبحت شرطاً لأي نظام راشد، وهناك تنسيق عالٍ محكم يطال هذه العملية ويتحرى آلياتها.

ان تجربة اليمن في الديمقراطية على وجه الخصوص تكتسب اهمية استثنائية في نظر الاتحاد الاوروبي وامريكا وبقية المنظومة الديمقراطية العالمية لكونها أولاً في جزيرة العرب التي تقدم دولها بحذر شديد على مفرداتها تقدم رجلاً وتؤخر اخرى، فهي ترى في نظمها الكلاسيكية الابوية خير ضامن لاستقرارها ونمائها، ولكنها من الجانب الآخر لاتستطيع الهروب من استحقاقات العصر ومن الوفاء بمتطلبات مابعد الحادي عشر من سبتمبر التي لم تعد تقتنع بمايظهر على السطح وانما تنقب في الأعماق البعيدة للثقافات والهويات مثلما تنقب عن البترول في طبقات الأرض العميقة، ثانياً فان اليمن بموقعه الاستراتيجي هو بمثابة منارة الهام لمجاله الحيوي في افريقيا وخاصة في شرقها وفي القرن الافريقي وهي منطقة مهمة للعالم، واخيراً فان اليمن الذي ربط مستقبله بالديمقراطية التي واكبت الوحدة لابد له ان يتقدم ويتآبى على النكوص والا غامر بكل شيء في مهبات العواصف.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s