ذكريات من صنعاء (14) عبدالكريم الرازحي «شاعر العكابر»

عبدالكريم الرازحي
عبدالكريم الرازحي

التقيت شاعر «العكابر» عبدالكريم الرازحي في ديسمبر الماضي في صنعاء فبدا كأن الزمن البخيل عادة قد أهداه عشرين سنة اضافية كرماً منه وفضلاً- ولكنني حين قرأت سيمفونيته المعنونة «السيرة الشعبية لقرية العكابر- الشيخة زعفران» لمع في ذهني ان هذا الطفل الضاحك- المكتئب قد عثر على سر الخلود الذي عجز عنه «جلجامش» في اقدم اسطورة عرفتها الانسانية المعذبة بطموحها الذي لايحد وعجزها الذي لا يتناهى.

إذاً.. لازلت تعيش يا من رفعت ابقار القرية وحميرها وكلابها ومجانينها ودجاليها مكاناً عليا، وموضعت النساء بشقائهن الازلي في الصدر من «إلياذتك» التي لا تكف عن التوالد.. ما علينا اذا تجهمت او نصبت من نفسك هدفاً للحجارة، ولن نلوم الغبار اذا غطاك. ولن نلومك اذا اتخذته رفيقاً او تغطيت به دثاراً، فلا كرامة لنبي في وطنه، لاتقل: حتى انت يا بن النقيب؟
حين تتقدم الأمم بكتبها وكتابها سنتقدم نحن اليمنيون بـ«الشيخة زعفران» وشاعر العكابر عبدالكريم الرازحي، وبمتحف «مدام توسو» اليمني الذي افناه الزمن والتقطه الرازحي ذرات ضائعة ليعيده الينا خلقا جديداً، على العين والراس.. لكم هي الشعوب شقية بجهلها حين تتعرف وتهيم بقطع من «الاكسسوار» المقلد، وتشيح بوجهها عن مناجم الالماس الحر، وقد قال تشرشل انه لو خير بين الامبراطورية التي كانت لاتغيب عنها الشمس وبين شكسبير لاختار شكسبير مع الاعتذار لكبير الأمة الذي اصر انه «شيخ زبير» ولكن الانجليز سرقوه كما سرقوا آثار الفراعنة.. ولا حول ولا قوة الا بالله-.
تعرفت على الرازحي العملاق في أحد المرابد البغدادية، ولاتصدقوا قصر قامته فتلك حيلة هوليودية لرقي العيون الحاسدة، وهناك في بغداد هام حباً، أو على حد تعبير اهل عدن «تطعفر» واصبح مثل الزجاجة كسرها لايجبر، ياعيني على شاعر العكابر وقد تلاشى، أرق قلباً وألين فؤادا، الأمر الذي ذكرني باستاذ الاساتذة عبدالله البردوني حين لسعته بكهربائها من خطوط الضغط العالي الاستاذة الشاعرة العراقية آمال الزهاوي ففتحت عليه ابواب الجحيم فظل يردد طوال ذلك اليوم:
أأظمأ في العراق برافديه                              في بغداد آمال الزهاوي
ولكم كانت سعيدة حين التقيتها في عمان بعد سنوات المحاق ورويت لها ذلك البيت (طبعاً الاستاذ البردوني مزاح من الدرجة الـ«الكثرا» والشعر بالنسبة له «عصيدة» يمتنها كما يشاء وبما يشاء، وهو رحمه الله صاحب حيل نفسية جميلة، ويخرج منها مثل الشعرة من العجين، وقد وقف في عمان امام مجتمع نسائي حاشد من ذوات الأوزان والالقان (من الألق) فصدح مفتتحاً الأمسية:
يا أردنيات أحشائي ممزقةٌ                          فمن يجمعني يا أردنياتُ
المهم انني جمعت صاحبي شاعر العكابر وفي الامارات فقدنا كل أثر لذلك الضوء ثم ابتلعه ثقب اسود أفلته بعد حين وقد أكل منه ما أكل الزمن من وجه ابي الهول.. لم اخبر شاعري بهذا المآل لأنني اؤمن بالمثل السائد: «لاتذكر الحزينة البكاء»: تشكو من الدنيا وهل من معشر.. جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا.
كم من الشموس داخل شاعر العكابر (الفئران) وقد حاول اصحاب تجربة «غطسه طلعه» السجانين «إطفائها.. ولكن الله متمٌ نوره ولو كره الجاهلون».

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s