ذكريات من صنعاء (13)«محمود الحاج»

محمود الحاجمنذ أن «تقدم التقدميون ورجع الرجعيون» وأنا وصاحبي محمود الحاج الذي تقدمنا من عدن الى صنعاء دون عودة وذلك في اوائل عام 1974 م لم نفترق روحياً وإن باعدت بيننا الأيام والليالي والجري وراء لقمة العيش ومسارات الاقدار الذي لا يدري أحد أين تأخذه ، أو أين تعصف به ، سنة الله في الخلق ، ولن تجد لسنة الله تبديلا.

كان صاحبي قد بيت « الهروب الكبير » واعد له عدته أما أنا فلم أفكر في الأمر إلا في صنعاء بعد أن أنجزنا تبليغ رسالة عمر الجاوي لأدباء وكتاب الشمال لاغتنام الفرصة التاريخية لتأسيس اتحاد للأدباء والكتاب اليمنيين غير شطري ليكون أول مسمار في نعش الانفصال والتشظي وليكون أصحاب القلم في الطليعة :
« قوم هم الأنف والأذناب غيرهم           ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا»
.. مع العياذ بالله من قولة « أنا ونحن » لأنهما فاتحة الجهل بامتياز أجاركم الله .

ابن الحاج كما درجنا على تسميته رقيقاً مثل الموسى أي انه ناعم وقاطع وإذا غضب من احد ممن يستأهلون الغضب أول ما يتبادر الى (ذهنه) أن يرقعه بعمود صحفي .. طبعاً هو لايفكر أبداً في (البواكير) المحناية وغير المحناية التي اعتاد رؤيتها في مسقط رأسه في (الشيخ عثمان) تلك المدينة التي تعد بوابة عدن والتي تعلمها الخشونة كلما أدمنت الاولى التمدن لابنائها سمات منها إن لم تظهر في الاجساد ظهر في الارواح وبعد ثلاثين عاماً في صنعاء وجدت صاحبي في ديسمبر الماضي يحن الى (الغوبة) ووهج الشمس اللاهب في الشيخ عثمان فمن شب على شيء شاب عليه اما اولاده فمعترضون ففي عيونهم وقلوبهم (صنعاء حوت كل فن)..
اخذني الى بيته الذي انجزه للتو وقال لي حكمته :الآن فقط اصبح لي وطن.. حتى عمري الذي انقضى اصبح له معنى وانا اعود من عملي الى بيتي دون ان افكر في مالك يتجهمني أو يسعى الى طردي ليرفع الايجار، قلت له : أما أنا فما زال وطني بعيداً رغم انني : (لو شغلت بالخلد عنه.. راودتني اليه في الخلد نفسي)، علي حد تعبير شوقي.
ذكرني بمفاجاتي له وقد اعسر في الإعمار، حيث عرضت عليه عشرين ألف درهم إماراتي مجاناً وغير قابلة للرد، لم يتبين جدي من مزحي وهو الالمعي الذي يلتقطها وهي طائرة، ولكنه شك ان في الامر شيئاً فقال مازحاً ومحتاطاً لنفسه من الوقوع في احابيل الاخوانيات: اما لو صح الامر فالغيث قد جاء في موسمه فبذلك يكتمل البيت قرة عيني ومحط احلامي.. قلت له الامر صحيح ابشر يا ابا بسام، وكانت الحقيقة ان المبلغ مكرمة من سمو الشيخ زايد حيث امر بصرف هذا المبلغ لكل شاعر من الذين وفدوا لتهنئته بالشفاء وكان الوفد برئاسة الاستاذ عبدالملك منصور وزير الثقافة والسياحة آنذاك والذي صال وجال بطلاقة لسانه وشكيمة جنانه ونفاذ نظراته التي تخترق الحيد الأصم.
اعرف محمود الحاج شاعراً غنائياً خبيراً بصب العواطف في الكلمات ودوزنتها بأوتار الفنان احمد فتحي ثم اطلاقها كما تطلق الحمائم البيضاء الى قلوب العشاق، اما انه يلحن ويغني فلم يكن عندي علم بذلك حتى فاجأني احد الاصدقاء نقلا عن برنامج تلفزيوني وقد سألته بالتلفون فقال لي نعم، وانا الآن في زحمة الطلبات لاشعار والحان وتدريبات أداء، قلت له هذا افضل من الجائزة الاولى في «من يربح المليون» الله يفتح عليك يابن الحاج وقد بدأت سنة اولى حب في مسيرة التقاعد.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s