الجميع ينظرون الى اميركا وينتظرونها فمنهم من يريد العون والمساعدة ومنهم يريد المشاورة والنصح ، ومنهم من يريد فقط «عين الرض»التي قيل عنها أنها عن كل عيب كليللة ، ومنهم من يريد الفكاك والخلاص ويحلم بأن يصحو فيجد عالماً بلا أميركا ، وهذا عين المحال.
هي مالئة الدنيا وشاغلة الناس . وهي أكبر من أن يتجاهلها احد وأثقل من ان يتحملها احد ، واصدقاؤها يعانون منها كما يعاني منها خصومها ، فالأصدقاء يجدون في صداقتها شيئا شبيها بصداقة ذلك الدب الذي أراد إبعاد ذبابة من وجه صاحبه فاقتلع عينيه وأنفه دون أن يصيب الذبابة وهذا ما تفعله اميركا في الفلوجة ، وخصومها لايجدون من القوة مايكفي لخصومتها ، ولايجدون من العدل مايكفي لإرضائهم ولوفي الحد الأدنى فهم معها بين أمرين أحدهما مر يرددون مع ابي الطيب المتنبي :
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له مامن صداقته بدّ
والغريب في العملاق الاميركي انه حاكم في العالم ولكنه محكوم في عقر داره وهويعتبر هذ الأمر معادلة سياسية ناجزة لامراء فيها ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، ومن أراد ان تشكله أمه فليناطح اللوبيات المتنفذة في واشنطن والتي تفرز السياسات الكونية لانقول كما يفرز النحل العسل وانما كما تفرز الدبابيرالسم ، ومن هذه الخلفية يرى البعض ان السياسات المعتمدة لاتتغير إلا في بعض التفاصيل واللمسات الشخصية سواء حكم الجمهوريون أو الديمقراطيون ، وعلى من ينتظرون العدالة خصوصاً في فلسطين ، ان يسابقوا جلودهم التي هي في طريقها الى الدباغ وفقاً لفلسفة السجون العربية وعدالتها التاريخية .
ولابد من القول هنا ان الامريكيين في سياساتهم التكتيكية يراهنون عل هذا الهامش بينهم وبين الكثير من الأنظمة العاتية تجاه شعوبها ، فيقدمون أنفسهم كمخلصين ومحررين ومصنعين للديمقراطية .
ومافي احد ينكر عليهم ذلك فكل بنت بأبيها معجبة ولكن ينبغي علينا تشديد النكير على الأنظمة التي وضعت شعوبها في الدرك الأسفل من الإحتقار وتريد منهم ان يسبحوا بحمدها ليل نها ر والا اتهموا بالمروق والجحود وحقت عليهم اللعنة ، ولو أنها وفرت لهم من العلف ماتوفره للمواشي لوجدنا بعض العذر لبعض الذنب لبعض الوقت، أما هكذا : لاأرحمك ، ولاأترك رحمة ربي تتنزل عليك ، فهوامر لايطاق فالله لايجمع بين عسرين .
ونرجو من الله ان يقدم اخواننا في فلسطين النموذج للديمقراطيات العربية كما قدموا النموذج في النضال ، وأمامهم فرصة تاريخية كبرى لاجتراح مثل هذه المعجزة في زمن لايؤمن بالمعجزات ، وان كنا ندرك أنها مهمة شاقة لأنهم جزء من البنية العربية التي لم تتشرب تقاليد الديمقراطية وحتى إن فعلتها احياناً شأن تجربة لبنان ، فان البنية التحتية للتفرد والاستقرار لاتلبث ان تقوض اي بناء على السطح إما بتسريب مياة الطائفية اليه وإما بزلزلته اذا اقتضى الأمر.
ونعود الى مالئة الدنيا وشاغلة الناس اميركا التي لها في كل عرس قرص وهي مثل الرأس بالنسبة إلى العالم إذا صلح صلح الجسد كله وقد أخذ بوش فرصته الثانية لإكمال مابدأه على حد نداءاته للناخبين ، وللحق فان احداً لويدري مابدأه رغم اننا جميعاً نشاهد لأن العبرة دائماً بخواتم الامور ، وطوال فترته الاولى شاهدناه يحمل الفاس لتقطيع اشجار الغابة العالمية ، ولكننا لم نشاهدة يغرس ، علماً ان الشعوب تهتم بالغراس ، وهو ماتتوقه الولاية الثانية ولابد من التسجيل أن بوش بدأ عقب إعادة انتخابه اكثر امتلاكاً لنفسه وأقل اندفاعاً وراءها وهذه من علامات النضج التي افتقدناها في الرئاسة الاولى .