وداعاً أيها القائد العظيم

الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان

في وداعك أيها القائد العظيم والإنسان الكبير نقف خشّعاً ندعوا لك بالرحمة الواسعة والمغفرة وحسن المآب: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} صدق الله العظيم.

تاريخٌ ناصعٌ من العطاء، ومسيرة حافلة بالبناء، وإشراقات من الوجدان غمرت الإمارات بالنور والعرفان، وأجيال تربت على يد الراحل العظيم خلقاً منيراً وعملاً مثمراً وسبلاً للخير ممهدة، وطرائق للعلم والمعرفة سالكة. كان نموذجاً فذاً للإلهام، ومربياً محباً تطمئن إليه النفوس، وتلهج بذكره الألسن، ويهفو إليه الحكماء. لم يترك باباً للخير إلاّ طرقه، ولا نهجاً لـلمّ الشّمل الوطني والعربي إلا سلكه، ولا عطاء يخلّف ذكراً حسناً إلا منحه، ولا شعباً في أزمة إلاّ سانده ووقف إلى جانبه.

كانت له نظرة لا تخطئ إلى الصّلاح، وإلى سياسة الأمور بالحُسنى، وكان ينظر إلى البعيد المبشّر فيغضّ النظر عن القريب المكدّر. كان خلقه من القرآن الكريم: {إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم} صدق الله العظيم.

كان على السّجية وحُسن الطويّة، فلم يسلك مسالك الذين مزجوا السياسية بالمؤامرة، ولكنه لم يغفل أبداً عن الأخطار، وعن نوايا الأشرار، فاتخذ لكل أمر عدّته، وكان الوطن قاعدته الحصينة، وأبناء الوطن جنوده الأوفياء، وخيرات الوطن عدّته.

عندما فكر في بناء دولة الإمارات العربية المتحدة راهن على المستقبل وعلى النوايا الخيّرة، فتجاوز كل الصعاب، وكان يريد الوحدة أوسع وأكبر، ولكنه قنع بالمتاح لأنه يدرك بوعي عميق أن السياسة هي فن تحقيق الممكن، وليس التعلق بأذيال الهوى، وأن تقديم النموذج الناجح هو الأهم، ولا نشك إذ نقول أن النموذج قد مدّ إلهامه قولاً وعملاً، وأن الأنظار اتجهت وتتجه وستتجه إلى ما حققه زايد وإلى ما سيواصل أبناؤه في كل الإمارات السير على هُداه.

وقد واصل الراحل العظيم موهبته الفريدة في تحويل الأحلام إلى أعمال على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي؛ فكان الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه في جلائل الأعمال وعظائمها، والقائد المضمون سلفاً في دعم الإخوة والبذل وإنكار الذات، وكذلك كان على المستوى العربي، حتى أصبح للإمارات “حنوّ المرضعات على الفطيم”.

رحمك الله يا زايد، أيها الأب الذي ظلّلنا بسماحته، ورفدنا بعدالته، ونوّرنا بحكمته، وملأ قلوبنا بمحبته، وحملنا فوق أجنحته إلى سماوات الشرف والرقي الإنساني.

إن الأشجار التي ترعرعت على يديك تبكيك، والناس الذين أفاؤوا إلى ظلالك وظلالها يذرفون دموع المحبة، ويدعون لك وقد أفأت إلى خالقك كما دعوا لك وأنت بينهم يستضيئون بوجودك، ويفرحون بتلك الابتسامة التي لم تفارقك أبداً.

ماذا أقول وقد رحلت عنا في هذا الشهر الكريم الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيّناتٍ من الهدى والفرقان؟ سترحل قلوبنا معك، وستحلّق مشاعرنا حولك، وسنكتب إسمك على أهداب العيون، قائداً عربياً قلّ أن يجود الزمان بمثله، وسنقف كما كنا دائماً معك ومع أبناءك الذين حملوا الأمانة من بعدك، وحقّ عليهم أن يبلّغوا رسالتك، وأن تكون المحبة رائدهم، والعمل الصالح منهجهم، والإصلاح نور قلوبهم:

طَوى الجَزيرَةَ حَتىّ جائني خَبَرٌ=فَزِعْتُ فيهِ بِآمالي إلى الكَذِبِ

حَتىّ إذا لَمْ يَدَعْ لي صِدْقُه أملاً=شَرِقْتُ بالدّمْعِ حتى كادَ يشرِقُ بِي

رحم الله تعالى أبا خليفة رحمة الأبرار والأطهار… وإنا لله وإنا إليه راجعون.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s