محمد صالح مطيع

محمد صالح مطيع
محمد صالح مطيع

لا يزال اسم هذا الرجل يتردد كواحد من أنقى الثوار العرب الذين مارسوا العمل النضالي والسياسي بوطنية عالية وشفافية ومسؤولية في الرأي واعتدال في المواقف وابتعاد عن التآمر وبراءة من دماء الناس المعصومة التي لوثت أيد كثيرة ووصمتها بالعار إلى الأبد.

محمد صالح مطيع هو أشهر من تولى وزارة الخارجية فيما كان يعرف سابقاً باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكان شديد الانتباه لتعقيدات الواقع وللضغوط الأقليمية والدولية العاصفة التي أحاطت بذلك الوليد الذي أنجذب إلى موسكو وسياساتها الشيوعية ومصالحها الدولية فلم يجانس “محيطه، كما وضع نفسه في دائرة استهداف القوة العالمية الأخرى، وكان الرهان- السؤال: هل نستطيع الخلاص من قبضة الجاذبية الحمراء، وبأي ثمن؟ وهل نستطيع التوافق مع محيطنا فنتخلص من الولاء- المأزق الذي جعلنا في وضع أشبه بوضع الكرة بين أقدام لاعبي محترفين.. وبأي ثمن؟
ومن الواضح في ظل الاستقطاب الحاد بين المعسكرين العالميين وما مثلته عدن من جائزة لا تقدر بثمن للسوفييت وأساطيلهم ولإطلالتهم على بحر البترول العربي شريان الاقتصاد العالمي. أن ثمن الاستنقاذ سيكون عالياً وفي الغالب دموياً، لأن الاستخبارات السوفيتية كانت قد اخترقت بالطول وبالعرض وبالأسماء والأوزان وبالشعارات والأفكار، ولم تعد ضيفاً في الدار وإنما هي صاحبة الدار على الطريقة العربية البلهاء.

ياضيفنا لو جئتنا لوجدتنا
نحن الضيوف وانت رب المنزل

انعكس هذا الوضع المأزوم على الداخل الحزبي والسياسي الذي أصبحت “المؤامرة” عنوانه الأبرز، واللدود في الخصومة خبزه اليومي وصناعة “الأزمات” أبرز صناعة مزدهرة بعد أن أخفقت السياسات الاقتصادية وتحول السوق إلى “عدم” والناس إلى أشباح إن ما توا من الجوع مرة فإنهم يموتون من الخوف عشر مرات.

حاول الرئيس سالم ربيع علي بماله من وزن ونفوذ وبما عُرف عنه من مقدامية أن يخترق هذا الانغلاق السياسي المدمر وكان إلى جانبه وزير خارجيته محمد صالح مطيع مشيراً وناصحاً ورسولاً سياسياً يضع مصلحة بلاده قبل مصلحة موسكو وغيرها من العواصم ومحطات التنصت، ولم يكن الرئيس يدرك المدى الذي يمكن أن يصل إليه أولئك الذين استشعروا الخطر على بساط من الجهل والارتهان وعبادة المكاسب الشخصية. وأصبح المطلوب رأس الرئيس ووزير خارجيته في حبكة يعجز عنها أي فيلم هوليودي، حيث جرى اغتيال الرئيس احمد حسين الغشمي في مكتبه بصنعاء خلال استقباله مبعوثاً من عدن ما أن فتح حقيبته الدبلوماسية حتى انفجرت لتقتل الرجلين معاً، وجرى اتهام الرئيس سالم ربيع علي، وهو أمر غير معقول ولا مقبول وليس فيه مصلحة من أي نوع، وعقب اشتباكات مدمرة جرى إعدام الرئيس بصورة غامضة ودون محاكمة علنية.
ولم يمر سوى وقت قصير حتى ألقي القبض على محمد صالح مطيع الذي بدا معزولاً في ذلك الجو المكفهر المتعطش للدماء، ومن ثم جرى تلفيق تهمة الخيانة الوطنية له من قبل “الرفاق” المنتصرين الذين سيتفرغون بعد مقتله للتربص ببعضهم البعض وصولاً إلى مذابح 1986م التي جرت على الهوية وكان المواطنون في نظام “الابارتيد” العنصري الذي لم يعرف مثل تلك البشاعات.
وكما روى لي أحد المطلعين فقد كان الدليل رسالة من مسؤول في دولة مجاورة يحث فيها “مطيع” على تنفيذ النقاط التي تم الاتفاق عليها بين فخامة الرئيس سالم ربيع علي وجلالة الملك خلال زيارة الأول إلى بلد الأخير.
ويعلق الدبلوماسي المخضرم الذي روى لي القصة بأن النقاط كانت معروفة ومعروضة وهي من مفاخر العمل الدبلوماسي في إطار العلاقات الثنائية، وقد عُرف عن سالم ربيع علي ومحمد صالح مطيع الحرص المبالغ فيه على المصالح الوطنية العليا وطهارة اليد والجيب.
أما كيف تم تنفيذ حكم “الإعدام” القراقوشي فأمر تشمئز منه النفوس والأبدان فقد قيل لـ”مطيع” ما رأيك في القيام بجولة حول عدن، وقد صعد إلى جانب السائق الذي كان مسؤولاً أمنياً كبيراً وفي الخلف صعد احد عتاة القتلة وهو إرهابي دولي معروف، وفي الطريق أخرج الإرهابي سلكاً من جيبه وخنق بواسطته المناضل محمد صالح مطيع حتى الموت في طريقه مستفادة من عتاولة المافيا.
ولأن التاريخ لا يمكن أن يكتبه القتلة والمتآمرون وإن فازوا فيه إلى حين فقد أخذت الحقائق تنجلي وتنكشف والأدوار تتوضح وصولاً إلى وحدة المين المباركة التي حملت كل ذلك الغثاء وأبقت منه ما ينفع الناس عملاً وعبرة ووضعاً للناس في مواقعهم التي يستحقونها.
ففي الأسبوع الماضي أصدر الرئيس علي عبدالله صالح مرسوماً منح بموجبه الشهيد محمد صالح مطيع وسام ثورة 26 سبتمبر من الدرجة الأولى وبهذا القرار جرى رد الاعتبار لهذه الشخصية الوطنية البارزة ودورها في حياة الوطن والمواطنين.
بدأ مطيع حياته النضالية فدائياً جسوراً في مجابهة الدوريات الإنجليزية في شوارع عدن، وكانت صوره معروضة في كل نقاط التفتيش الـ”مطلوب” من الدرجة الأولى وقد ترقى في المراتب الحزبية حتى “عضو مكتب سياسي” وترقى في المناصب الحكومية عقب الاستقلال وكان “ناصعاً” من الولاءات القبلية والعائلية وصدراً مفتوحاً لكل أبناء اليمن.
شكرا للرئيس علي عبدالله صالح على هذه اللفتة الوطنية المتجاوزة للزمن الغادر، وعسى أن يسعد القرار أهله الذين أحرق قلوبهم مقتله ثم أحرقهم بتهم الخيانة ومعاملة المكر السيئ الذي لا يحيط إلا بأهله.
وفي الأخير لا يصح غير الصحيح.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s