بعيداً عن التعصب وعن التعليم المذهبي – الحزبي، او الحزبي – المذهبي وبعيداً عن الانغلاق العقلي وهوس الذات المتضخمة مناطقياً ارسى اليمن خطوة متقدمة باتجاه الديمقراطية باعتماد «يوم الديمقراطية في المدارس».
لقد تم ايلاء هذا اليوم اهمية رمزية كبيرة بالكلمة الموجهة من قبل الرئيس علي عبدالله صالح وبمشاركة رئيس الوزراء والوزراء المعنيين وكوادر وزارة التربية والتعليم فيما يشبه تظاهرة وطنية لرعاية هذا المولود الذي سيشكل وجه الحياة في اليمن تدريجياً.
سيتعرف الصغار على كلمة «الديمقراطية» وتنحفر عميقاً في وجدانهم بممارسة عملية لانتخاب عرفاء الفصول في مشابهة للانتخابات البرلمانية والمحلية وسيسري هذا العرف على اي عملية اخرى تحتاج الى موافقة الاغلبية وقبول الاقلية بتلك الموافقة مع احتفاظها بموقفها على مستوى الاقتناع والاقناع والعمل لكسب الاخرين والمنافسة مستقبلاً في ظروف افضل، لاان يحزن الخاسر مثل حمار الشيخ في العقبة ويقول كما قال لويس الرابع عشر أنا ومن بعدي الطوفان وما من احد يدعي ان الديمقراطية في احسن حالاتها وانه ليس في الامكان ابدع مما كان فما دامت هناك سلطة ومعارضة ورأي عام فان عجلة الديمقراطية تظل دائرة تتصارع الاطراف حول محورها منهم من يشد الى الامام ومن يشد الى الخلف ومن يحاول ايقاف العجلة، وللناس فيما يعشقون مذاهب.
وفي اعرق الديمقراطيات يختلف الناس حول البرامج وحول التنفيذ وحول النتائج وفي الاخير يحتكمون الى الصناديق ومن شذ شذ في النار، ولاصوت يعلو على صوت الناس، لاكما كانت الاحزاب الشمولية تقول انه لاصوت يعلو على صوت الحزب كل شيء قابل للنقاش وللنقض والابرام ما عدا«الديمقراطية» بشرائعها المعروفة فانها الثابت الوحيد، لانها الاطار المرن الذي يحتوي الجميع منذ عُرفت في ايام اثينا ومارسها الاغريق فانبثقت مسيرة العقل منذ ذلك الحين واخذ الناس يتعلمون الف باء الخلاف والاتفاق.
ومن حسن الطالع ان اولئك الذين كانوا يرون في الديمقراطية كفراً بواحا قد بدأوا يتلمسون بركاتها حين منحتهم الصوت المسموع والمنبر المرفوع، وللحق فإن الكثير من الاحزاب كانت اعمارها الافتراضية قد انتهت ولكنها بالديمقراطية انبعثت الى الحياة مجدداً وامامها المجال لان «تتمقرط» في داخلها وتنفض عن نفسها غبار الاكفان وروائحها الكافورية، فيكون فى داخلها الرأي والرأي الآخر في اطار المبادئ العامة المشتركة وان تكون لعضو البرلمان الذي يمثلها حرية الاصطفاف الوطني في اطار رؤيته وان يحترم لاان يكون بوقاً يعزف نغمة واحدة.
ان «يوم الديمقراطية» في المدارس هو بمثابة التأسيس لرؤية جديدة للحياة تترتب عليها قنوات مختلفة ما الفه الناس وتصب في تلك القنوات مياه عذبة على مستوى حقوق الانسان في كرامته وانسانيته وحقه في العلم والعمل والمشاركة والأمان وحتى في تعريف الدولة وتوصيف مهامها فهي ليست فوق المجتمع وانما في خدمته وهي ليست جابية وانما راعية، وهي ليست الوحيدة التي تحكم وانما تشاركها جهات كثيرة اخرى منتخبة ومتخصصة ولديها نصيبها من القرار ومواردها للتنفيذ وهي تعرف شيئاً عن كل شيء وكل شيء عما هو في نطاق اختصاصها.
يوم الديمقراطية هو بمثابة الذهاب الى النبع، الى حكمة العلم في الصغر كالنقش في الحجر، وعلى طريق الالف ميل الذي يبدأ بخطوة واحدة، وهؤلاء الصغار على مقاعد الدرس هم بمثابة الغصن الاخضر اللين الذي يمكن اصلاح اعوجاجه اما اولئك الذين تخشبوا اوهم لايؤمنون بالديمقراطية اساسا وانما اتخذوها مطيعة، فلا فائدة ترجى من النفخ في بالوناتهم التي يحاولون تطييرها لانها كلها ثقوب تسرب الديمقراطية.
انه درس جديدومفيد من اليمن الجديد ولئن تشعل شمعة خيراً من ان تلعن الظلام..