زايد في عيون العالم 2

يشبه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان – رحمه الله تعالى – كتاباً زاخراً بالحِكمة، مُفعماً بالإنسانية، غنياً بالبلاغة، يجذبك إليه عنوانه الصادق، ومقاربته الحميمة، وقربه إلى مشاعرك وقلبك، وحين تطّلع على عناوين فصوله وموضوعاته يزداد شوقك لقراءة مضامينها: القائد، الموحّد، الباني، صانع الأجيال، مخضّر الرمال، رائد التضامن العربي، حامل ميزان العدالة، رجل السلم والطمأنينة والاستقرار، المتواضع، الباذل الكريم، الحادب على الفقراء، صاحب الأيادي البيضاء في العالميْن العربي والإسلامي، الحسّ الجمالي المرهف، العامل الدؤوب، المربّي، الصادق، الناصح، المحب في الله، الشاكل للنعماء، رجل المبادئ في السياسة وسيّد الأخلاق في الرئاسة والكياسة، الصّبور، المتسامح، البشوش كأنه المعني بقول الشاعل:

لا يحمل الحقد من تعلو به الرّتب=ولا ينال العُلا من طبعه الغضبُ

وحين تشرع في قراءت ذلك الكتاب – السيرة – تجد نفسك في جامعة القِيم، ومدرسة التهذيب، والعمل الذي يُضرب به المثل، والقول الذي يهدي إلى أقوم السّبل، فالرجل كان يصدر عنه إيمانٌ لا يخالطه شك، وعن سجيّة لم يداخلها العجب، وعن حب للناس لم يقاربه الرّياء، فتطابق لديه القول مع العمل، ولم يكن في ذلك كله يشعُرُ أنه أفضل من الآخرين بل أنه يستلهم الخيّرينَ مِنهم ويحضّ مُجالِسيه على فعل ذلك واستِبْصاره، والبناء على ما تمّ إرساؤه على أكمل وجه، وإكمال ما أُنجز جُزئياً، وإصلاح ما تهدّم، وإعادة تأسيس ما لم يَعُد نافِعاً.

كتاب زايد ليس لأبنائه في الإمارات فحسب، ولا للعرب أمته، وإنما هو كتابٌ للعالمين يصلح أن يُترجم إلى كل اللغات، وأن يَجولَ في مختلف المشاعر، وأن يُقرأ في كل الضمائر، شأنه شأن (نيلسون مانديلا) حكيم أفريقيا، و(المهاتما غاندي) حكيم الهند، وغيرهم من أعلام الإنسانية في زماننا، ذلك أن الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها التقطها، ودار زايد قد حَوَتْ من الأجناس والألسنة والمعتقدات ما يجعل رسالته عالمية، لكأن هذه الدار سفينة نوح، حيث تعايش الأسد مع الخروف، وتسامرت الجوارح مع داجنات الطيور، وتقاربت الألسن ولم تتبلبل كما في قصة برج بابل.

لقد أدرك قادة العالم هذه الخواص الفريدة في عمل زايد وتفكيره ومسيرة حياته، فهاهو الرئيس الفرنسي (جاك شيراك) يصفه بأنه: “من أكبر الشخصيات التي شهدها العالم في العصر الحديث” وهذا تشخيصٌ لا يأتي من فراغ، فالدول لا تُقاس بمساحاتها أو بِعَديدها أو بثرواتها، وإنّما بإشعاعها الحضاري، وحضورها الإنساني، ومرتكزاتها الخلقية والمبدئية، وبتأثيرها في محيطها، وباتزان قادتها وفهمهم لعصرهم. فالقائد هو بمثابة المخ الذي إذا صَلُحَ، صلح الجسد كلّه. وأوضح (شيراك) أنه لعمق صداقته لزايد توجّب عليه ترك اجتماعات قادة الاتحاد الأوروبي المنعقدة حالياً في بروكسل والمجيء إلى أبوظبي لتقديم العزاء.

الرئيس (جورج بوش) الأب لامس إحسان القيادة وإشاعة التسامح، وهما قضيتان محوريتان في المنعطف الحالي لعصرنا في إطار حقوق الإنسان، والحكم الرشيد الذي تطالب به جميع الشعوب وخاصة في العالم الثالث حيث الوحشية مفردة من مفردات الحكم في العديد من الأنظمة، والاعتداء على حقوق الإنسان أول درس في كتاب الديكتاتوريات، ولقد ضَرَبَ زايد المثل في احترم الإنسان وتشييد الحكم الرشيد منذ حوالي أربعين عاماً مستلهماً تراثه وسجيّته النبيلة دون حاجة إلى قرارات دولية وضغوطات فادحة.

يقول الرئيس جورج بوش: “لقد كن زايد زعيماً رائداً، ورجل دولة مخضرماً طورّ هو وسائر حكّام الإمارات السبع الاتحاد فيما بينهم إلى دولة مزدهرة ومتسامحة وأحسنوا قيادتها”.

وبقدر ما في هذه الشهادة من إشادة بواقع مُعاش وقيادة حكيمة بقدر ما فيها من رسالة إلى أكثر من عنوان للإلتفات إلى معنى إحسان الحكم وإشاعة التسامح لمواجهة الغلو والتمييز وادعاء امتلاك الحقيقة, وإشهار القتل ترهيباً للناس لكي لا يفكّروا لأنفسهم بأنفسهم. وفي هذا كله كان الشيخ زايد – رحمه الله تعالى – الصوت الألهج بالوسطية والإعتدال والحوار الحر بالحكمة والموعظة الحسنة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s