مهاتير محمد

مهاتير محمد
مهاتير محمد

اليوم يتقاعد زعيم ماليزا وأبرز زعماء العالم الإسلامي مهاتير محمد عن العمل الحكومي، وهو في أوج مجده، تحوطه الأنظار المحبة، والقلوب التي تدعو له بالصحة وطول العمر وبمزيد من التآلف، لأنه ليس من ذلك النوع الذي إذا فارق كرسي الحكم أو فارقه الكرسي انطفأت المصابيح من حوله وغرق في الظلام، بالعكس… يبدو مهاتير (78 عاماً) فتي العقل، شاب الرؤية، قوي العزيمة، مُهاب الجانب، مسموع الكلمة، وحين بكى بعض الوزراء في آخر اجتماع لمجلسهم برئاسة مهاتير، إنما كانوا يبكون الأب والقائد والمرشد الروحي وباني ماليزيا الحديثة الذي يتجه العالم الإسلامي بأسره للإسترشاد بتجربتها الفريدة في التنمية والسلام الإجتماعي والإدارة الرشيدة للحكم التي تفتقر إليها أكثر بلدان العالم الثالث.

هذا المسلم المؤمن الصلب، قدّم بتقاعده الطوعي أمثولة عظيمة لا تقل عن مآثره في البناء والتنمية والتحضير، وهو يدرك أنّ من مقاتل الدول الإسلامية – بوجه أخص – التمسك بكراسي الحكم في إطار ما يعرف بالأدبيات الغربية بـ “الإستبداد الشرقي”، وإحساس الحكام بأنهم من غير طينة عامة الناس، وقد خلقوا ليحكموا فقط ثم ليقعموا أي تطلّع للحكم ممن سواهم، وهم بذلك يؤسسون للفساد الذي يسبح فيه أولئك الذين يدّعون الولاء، وأنهم من أهل الثقة، فيما هم ينخرون كل ولاء، ويسقطون كل ثقة بأعمالهم وسلوكياتهم التي وقودها الناس والثروة الوطنية، فهم – والعياذ بالله – أشبه بجهنم، حتى ليبلغ بهم غرور الفساد والتسلط حد الإستعصاء على الحاكم والحكومة، فكيف بأهل الخبرة والوطنية ونظافة الكف والضمير.

مهاتير… برجاحة عقل ومضاء عزيمة وبعد نظر، قتل في داخله هذا التوق، واستعاض عنه بتاج معنوي وأخلاقي وإنساني، لو عرف الملك ما فيه من سمو ومتعة لقاتلوه عليه بالسيوف.

لم ينسحب وهو يُرمى بالحجارة والبيض الفاسد ولعنات التاريخ تشيّعه، وإنما انسحب والناس يقولون له: “يا أبانا، ابق إلى جانبنا، ولو لعام أو بعض عام، فإننا لا نستطيع أن نتصوّر بلدنا دون قيادتك”، ولأنه أراد الأمثولة والتأسيس لم يضعف أمام الحب، كما لم ينحن أمام الكره الذي رمته به صنائع الصهيونية وربائبها، علماً أن مهاتير ينبغي أن يكرّم في كل مكان بسبب رؤيته الإنسانية الصافية التي تجسد سماحة الإسلام الحق، لا أباطيل المتعصّبين، فقد رعى في مجتمعه المتعدد الإثنيات أتباع كونفوشيوس وبوذا والمسيح عليه السلام، وساوى بين جميع الناس في الوطن، وفي العمل، وفي الحرية، وفي حقوق الإنسان.

ولك أن تعجب وهذا الموازييك البشري ينادي أن أبقى يا محمد، ففي يدك ميزان العدالة لم يهتز، وفي ضميرك صورة الإنسان لم تهتز، وعلى لسانك كلمة الحق لم تنكب بالرياء والخوف والتبعية وشعار “ليس بالإمكان أبدع مما كان”.

اليوم يتقاعد مهاتير محمد، وقد اقتعد قلوبنا، فكيف له أن يتقاعد؟ إنها استراحة المقاتل، يصعد إلى الذروة ليرى السهول والحقول والأنهار التي منحها عمره، وهي تتلألأ تحت ضوء الحقيقة، إن ماليزيا تحت قيادة مهاتير كان العالم الإسلامي المتطلّع بأسره، فهل يستطيع العالم الإسلامي أن يكون ماليزيا؟

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s