يحيى عمر… وطن العشق
أما الشاعر اليمني الغنائي (يحيى عمر) فهو اشهر من نار على علم ولا يزال اسمه يرن كالأجراس الذهبية في عالم النسيان، وأما ما قاله (يحيى) ولا يزال يقوله عبر عشاقه من مطربي ومحبي الغناء الأصيل فإنه آية في تحليق الشاعرية وخصب المخيلة والمقدرة العجيبة على استحضار الجمال حسياً برشاقة واستلطاف واستعطاف كأنه يحيل الحصى إلى ذهب والأرض إلى ينابيع لتسير المحبوبة محاطة بالوصيفات فيما (أبو معجب) وهي كنية صاحبنا يتولى حماية الموكب وهو يخطط للانقضاض عليه، ولكن ليس كالصقر الجارح وإنما كالنسمة العطرة التي تأسر ولا تجرح، والتي تسعد وتقرح.

عاش (يحيى عمر) حياة حافلة بالتنقل والتشرد والتسكع الجميل، فمن مسقط رأسه بيافع شرق اليمن إلى عدن وحضرموت، ومن ثم الهند وعمان، والبصرة، وقيل أيضاً في ديار الشام. وقد عمل جندياً وبحاراً وما شاء الله له أن يعمل فالرجل كان على باب الله شديد الاعتزاز بنفسه مدركاً لموهبته العظيمة، ولكن صناعة الجمال وترشيد الذوق وهدم رتابة وتقليدية الشعر الغنائي الذي سبقه كانت أهم صناعة نهض بها (أبو معجب اليافعي) ودخل بها التاريخ من أوسع أبوابه، ولم ينافسه أحداً قبل ذلك ولا بعده لأنه كان مدرسة لا تتكرر، وقد انهال عليه المقلدون الذين لا يخلو الزمان منهم أبداً، وإن كانوا بالنسبة ليحيى كالعصافير التي تحط على ساحل البحر تخطف قطرة من الماء وما تيسّر من الرزق ثم تطير في حال سبيلها دون أن تترك أثراً على الأيام.
اشتقت إلى قراءة أشعار (يحيى) بعد أن أصدر منتدى (يحيى عمر الثقافي) في يافع المجموعة الأولى من أشعاره وأني لأكبر في أولئك الشباب الذين تصدّوا لهذه المهمة العسيرة جرأتهم وعلو همتهم وجهدهم الكبير، ذلك أن أشعاره موزعة في مهاجره وفيما جمعه المستشرقون وبين اسطوانات الشمع القديمة ودفاتر أساطين الغناء القديمة، وقد غنى له الكثيرون في كل أرجاء جزيرة العرب، حتى ادعاه البعض لنفسه وخصه بموطنه لكلمة وردت هنا أو هناك.
وكل يدعي وصلاً بليلى
وليلى لا تقر لهم
بذاكا |
(أبو معجب) يحتل موقعاً فريداً في الشعر الغنائي العربي ينافس الأساطين من كبار العشاق الشعراء، وكان يصدر عن موهبة صافية لا تغرف من الخارج وإنما تتدفق من الداخل عبر عيون طفل لم يفقد دهشته أبداً، يحاور في خياله عرائس البحار وجنيّات جزائر السندباد وحور المقاصير وفوانيس الأحلام الخضراء
يحيى عمر قال قف يا زين
سالك بمن كحّل
اعيانكو شكلك بالحلل شكلين
وشك لولك ومرجانك
من علمك يا كحيل
العينمن ذا الذي خضّب ابنانك
وانت يا بارز
النهدينوقفت انا تحت
روشانكوالورد شفته على
الخدينوهو مطرح على
اوجانكلا ذقت حبه ولا
ثنتينما شفت وردك ورمانك
حمَّلت يحيى عمر
حملينوصرت تعبان من
شانكيا مركب الهند ابو دقلين
يا ليتني كنت ربانك
|
هذا الشعر ينتمي إلى السهل الممتنع بامتياز،هذه البساطة المدهشة في قالب من الماس الحر الشديد التوهج، وفي القلب تجد ثمرات الطبيعة والبحر الرجراج والحلي والحلل، وكل هذه الجماليات لا تجدها إلى عند (يحيى عمر).