يحيى عمر قال – 3

حظي (يحيى عمر) في حياته وفيما تلاها بأوسع آلة إعلامية نقلت أشعاره وألحانه عبر البحار، فقد كان البحارة في ذلك الزمن هم المبشّرين بكل جديد وهم الذين يلقّحون الحضارات بأفضل ما في كل واحدة منها، كما كانوا زينة المجالس بما ينقلونه من عجائب وما يرونه من مشاهدات وغرائب، بما يثير خيال أهل البر الذين لا تعد تجاربهم ذات شأن وقد تسير حياتهم على وتيرة واحدة من المهد إلى اللحد. أما البحارة فهم الروّاد المغامرون، يجمعون إلى الموروث الشعبي المتجذّر فيهم أساطير البحر ومردياته، وأشباح عرائسه وجنيّاته، ويعقدون أسماءهم على أنغام الموج وتحت أضواء القمر والنجوم الساحرة، يستمعون إلى مغنيهم الذي يحرّك فيهم الشجون ويستثير الحنين (يذكرهم بالبعيد الغائب، ويُجري دموعهم وراء الحبيب المفارق، ثم يلطف الجو بإنشاد أشعار المغامرات العاطفية اللطيفة، ولا بد أن تكون النهاية مواتية بانتصار البطل ووصوله إلى مراده سواء بالحيلة أو بسحر البيان أو بالإغراء وهو ما يعيد إلى أذهاننا السّير الشعبية التي كان أهل البر يسمرون عليها قبل بزوغ عصر الراديو التلفاز. وليس عندي شك أن يحيى عمر كان يقوم بهذا الدور الشخصي الممتع الذي يخفف تعب الرحلة وعناء الإبحار على السفن الشراعية القديمة التي تمخر عباب البحر وهي معرضة للأخطار في كل آن.. ولا شك أن يحيى بمواهبه المتعددة وروحه العذبه وخفة ظله قد كان مطلوباً للمرافقة في مختلف الموانئ، يختار ما يروق له ومن يروق له وهو يحلم بالمدن الجديدة التي سيصل إليها ليستمتع بأطايب الحياة ويدق باب الحبيب:

يحيى  عمر  قال  ما  شأن iiالقبيح
لمه   لمه   يا   ضنين  ذا  iiالجفا
خليتني  أمسي  على  بابك iiطريح
في  البرد  يا  خل  ما  عندي iiدفا
بالأمس   ميزانكم   عندي   iiرجيح
واليوم    كفه    إلى    كفه   iiهفا
ها  بعد يا صاحب الوجه iiالصبيح
كفى  كفى  كف  عن هجرك iiكفى

ساعة  بها  يشفي  القلب  iiالجريح
ونشرب    الماء    صافي   iiقرقفا
أنا     بوحشة    وانته    مستريح
ناظر   لحتى   يحين  منك  iiالوفا
بحر الهوى من دخل وسطه يصيح
ما   يدخل   البحر   إلا   iiالعارفا
أما  أنا  في  البحار  أسبح  سبيح
ماهر   في   البحر   ماني  خايفا
والله  إني  لنهبك  واصرح iiصريخ
أقول     خلي     نهبني    واختفا
صحيح  قال  أبو  معجب iiصحيح
سراج  في  الريح  ساعة  iiوانطف

هكذا كان حل (يحيى المغترب) السعيد بموهبته، الشقي بحايته، مثل سراج في الريح ساعة وانطفا، حيث تختفي الحبيبات خلف البحرا وخلف الأستار، ووراء الأحزان التي تزرع الحياة بالأشواك التي تدمي أقدام طالبي الرزق، فكيف بطالب العشق.

وكان يحيى ينظر إلى العالم على أنه وطنه، وبما أن مهنته كانت صناعة الفرح فقد قاوم الميل إلى الشكوى والبكاء الإلتياع، وهي العواطف النواحة التي يصطنعها الاغتراب ويملأ بها وجدان المغترب، وحين فاض به الوجد ذات يوم عبّر عن أشواقه بصورة لم يسبقه إليها شاعر:

يحيى  عمر  قال  ليت  الهند في iiيافع
أو  ليتكم بأرض يافع يا أهل iiهندستان
ما كان أن شي من أهلي والبعد iiضايع
إن  سبتكم  قال لي ذا القلب عود iiالآن
وكم    أنا   بالمراكب   نازلاً   iiوطالع
تلعب  بي  أمواج بحر اللول iiوالمرجان
ماشي   لبحر   المحبة  والهوى  iiرادع
إن هاج يسري به العاشق عجب ولهان

لقد كان يحيى ألوفاً لأوطانه الجديدة فيما ذاكرته تنزف حنيناً إلى مراتع الطفولة، وفي هذا التصاعق الكهربائي يتطاير شرر الشعر كأنه المعين بقول المتنبي:

خُلِقْتُ ألُوفاً لَوْ رَجعتُ إلى الصّبَى
لَفارَقتُ  شَيبي  مُوجَعَ القلبِ باكِيَا

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s