يحيى عمر قال – 4

هل يا ترى مارَس يحيى عمر في طفولته رعي الأغنام في تلك الجبار اليافعية المنيفة الشديدة الوعورة، وهناك بين الصخور الصلبة، وروائح الأزهار البرية، وأنسام الجبال النقية تفتقت موهبته الشعرية، فأخذ يدندن كلماته الأولى أمام غنيماته، ويبثها حزنه لوفاة أمه التي خلفته يتيماً لا حول له ولا قوة في قبضة زوجة أبيه التي لا ترحم والتي أذاقته سوء العذاب:

يقول  يحيى  عمر  من  ماتت أمه iiتقنع
با يطعم الماء صبر والقوت ما عاد ينفع
يا  آح  من  خالة  خلّت  فؤادي  iiموجع
يا  ربنا  نسألك  تنزل  لها  موت  أفجع

ربما كان مزيج الحزن وقهر العذاب، والسلوان الذي تمنحه منعطفات الجبال ومنحنياتها ومهاويها هي المدرسة الأولى لهذا الشاعر الجوال القوال الذي لم يكف عن الإنشاد حتى وهو على فراش الموت…وقد ظل وفياً لمهنة الرعي التي جعلته يعشق الحرية والتأمل، وكل الذي فعله لاحقاً هو التحوّل من رعي الأغنام إلى رعي الجَمَال – بفتح اللام – فبدلاً من قطيع الأغنام أصبحت لحيى قطعان من الحور العين يرعاهن في خياله ويبثهن أشواقه ويلتمس من عيونهن النُّجَّل الدواء لقلبه المبتلي بحبهن:

صادفت  جاهل بن اثنعشر iiورع
من   بعده  الباقيات  iiالصالحات
من صادفه قال: ذا وين iiاصطنع
بالأرض  وإلا  الطباق  العاليات
يهناه   من   عد  ماله  لا  iiدفع
ألوف وآلاف من صرف iiالمئات
البيض  قدهن  دواء من به iiوجع
معهن  ”تخاتر”  ومعهن iiلدويات
البيض يا القلب لا شي بك وسع
نسم  وباسه  من  خلف  iiالرئات

واستعاض يحيى عن التجوال في الجبال بالتجوالي عبر البحار وفي البلدان. وقد ذكر المستشرقان السويدي (سي فولت) والإنجليزي (أزون) إن (أبومعجب) عاش ردحاً من حياته في (بارودا) بالهند، ثم تنقل بين (كلكتا) و (مدراس) و (حيدر أباد)، وأجاد اللغة الأوردية إجادة تامة، حيث قدّر واضعو كتاب (غنائيات يحيى عمر) إن المرحلة الهندية في حياته استغرقت 16 ستة عشر عاماً.

ومن المعروف أن الهند في القرن الثامن عشر كانت مهوى أفئدة عرب الجزيرة والخليج للعيش فيها والتجارة معها، وكان اليمنيون على وجه الخصوص عماد جيوش الكثير من الإمارات الإسلامية في تلك الأصقاع المتصارعة – وأقدم الكتب باللغة العربية طبعت في الهند – ولا يزال أحفاد المهاجرين اليمنيين يعيشون هناك حتى يومنا هذا كما هو الحال في أندونيسيا وماليزيا.

إذاً فقد كان يحيى هناك ليس في بيئة عربية فحسب وإنما في وسط نخبة محبة للشعر والغناء، ومشجعة له بحكم الغنى وارتفاع المستوى التعليمي. والحنين إلى الجذور، وقد قام (أبومعجب) بمحاولة طريقة لكتابة شعرٍ مختلط: (أردو-أراب) نقلها المستشرق الشهير (روبرت سارجنت) ومطلعها:

حاضر باش هندي باربر شاباش

مثل الشاش أبيض منقرش نقراش

عقلي طاش… مسكين أنا ما جهدي

ويبدو أن المرحلة الهندية هي أخصب مراحل حياة يحيى عمر:

يحيى عمر قال بالله يا هنود
قولوا لنا بنت من ذي الهندية
هي  من الهند وإلا من سنود
تفهم  رطين  العرب iiبالهندية

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s