يحيى عمر قال (17) والاخيرة

بهذه الزاوية أختم حلقات (يحيى عمر قال)، والتي حاولت من خلالها تسليط بعض الضوء على حياة وأشعار (أبو معجب اليافعي) الذي لم يأخذ حقه من التقريض النقدي والتأصل التاريخي رغم شهرته الواسعة على مستوى بلدان جزيرة العرب بدون استثناء، ولا يزال حتى يومنا هذا مصدر إلهام وموضع إعجاب ومحل استفهام.

لقد أنجز (يحيى) في حياته وبعد مماته مهمّتين كبيرتين…

الأولى: تحريره للغناء من العامية المبتذلة، أو المُغرقة في المحلّية، وكذلك من اللغة القاموسية المتصلّبة، وإشاعته للغة سهلة يفهمها الأمّيُّ ويستسيغها الأديب.

الثانية: نشره للغناء اليمني وألحانه، وخاصة ما يُعرف بـ(اللحن اليافعي)، وقد أصبح هذا الغناء موروثاً مشتركاً لسكّان الجزيرة العربية، يتباهون به ويرددونه ويحملونه معهم في حلّهم وترحالهم.

وسيرة (أبو معجب) لا تزال فيها ثغرات تحتاج إلى البحث العلمي الميداني، فإذا كان البحث الذي قام به منتدى (يحيى عمر الثقافي) قد قطع بصورة نهائية في مسألة مسقط رأس الشاعر في قرية (كبانه) (مشألة) في (يافع)، فإن إقامته في (عدن) و(حضرموت) و(الهند) وفي منطقة (الخليج) وزواجه وعمله لا تزال موضع دروس واستنتاج أوّلي، وإن كانت أسفاره بصفة خاصة تقدّم لنا مادة ثمينة، ومؤثرات كثيرة تحتاج إلى ما يدعمها من البحث الإضافي. والأشعار نفسها بحاجة إلى تدقيق أكبر، نظراً لتعدد الروايات، واختلاف المصادر، وتفاوت المستويات الفنية في بعض القصائد، مما يرجّح احتمال حصول عبث فيها.

وكيفما كانت نتائج البحث والتقصي فإن ما بين أيدينا ليس بالقليل، ونحن ننتظر صدور الجزء الثاني من أشعاره عن (منتدى يحيى عمر الثقافي) في (يافع)، فربما كان فيه من المفاجآت الكثيرة، وعلى كل حال فالمتوفّر يؤكد أن (أبو معجب) صاحب مدرسة واضحة المعالم، مميزة الشخصية، فريدة الأخيلة، وهو يمزج بصورة لطيفة بين الفروسية والعشق، ويرسم صورة للعاشق ليس المتهالك الذليل الخانع، وإنما المِقدام الجسور الواسع الخيال والحيلة.

يحيى  عمر  قال  والله  ما iiدريت
إن   الهوى   هكذا   يفعل   iiمعي
والله  لو  كنت  أدري  ما iiاغتزيت
إني  مع  العشق  شاعر  شاجعي
ولا  كنت  في ساحة العشق دويت
ولا    تسمّيت    يحيى    اليافعي
كم  قمت  في الليل أدوّر ما iiلقيت
با   سجل  الخط  واطرح  iiطابعي
وكم   مهاري   كثيرة   قد   iiرأيت
وأصبحت مثل الرؤى ما شي معي
وما   نفعني   وياكم   قلت   ليت
والظبي    عامد    على   iiفازعي

في مدرسة (يحيى) يختلط الحلم بالواقع بصورة طبيعية، كأنه يعيش الأمرين في آن واحد، وهو يدرك أنّ أحمال الهوى ثقيلة، وخسارته فادحة، لذلك فإنه يلجأ إلى الحلم مرة، وإلى الخيال أخرى، ليسدّ الثغرات التي يخلقها الواقع.

وفي   الليالي  الظليمة  كم  سريت
أنا    ومن   كان   مثلي   iiمولعي
لو كان لي مال صنعاء ما رضيت
يصبح  بملكي  وأرضي  iiالموزعي
أجني  معك  بالعنب يا ذي iiجنيت
ولا    نهاب    السيوف   iiالقطّعي
هذا   الذي   بالهوى   فيه  iiابتليت
مع    نسور    الهوى    iiوالسّفعي
ما  همني  ذي  يقولوا  كم  iiجنيت
بالهند   والشام   وأرض   iiاليافعي
وكم  يقولوا  لي اخضع ما iiرضيت
إلى    متى   كان   قلبي   iiقانعي

هذا هو (يحيى عمر)، مزيجٌ من الرجولة والفروسية وخفّة الظل وخصوبة الخيال، ورقة المشاعر، في نسيج من الفن المحبب إلى نفوس الناس، ينساب إلى أعماقهم، مصحوباً بألحانه المشهورة التي حفظها الزمن، ولم تطلها يد الغناء.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s