العرب جميعاً أمة تتوفر على عناصر حياة وقوّة وإبداع كفيلة بأن تخرجهم من حال إلى حال، وأن تنتشلهم من وضع الإستلاب والتسليم للمقادير والإستسلام للأعداء إلى وضع الإرادة الفاعلة والرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه. إن نسبة المقاومين للأمة هي كنسبة الجدول الصغير إلى البحر الكبير، وكنسبة الشعاع إلى ضوء الشمس، فإذا كان يمكن لطليعة نذرت نفوسها لله تعالى والوطن أن ترعب العدو وترغمه على التفكير المتصل بالفرار، فكيف سيكون فعل الأمة إذا خلصت النوايا، وتوحّدت الأيدي، وتعاضدت القوى.
إن المخلصين من قادة الأمة وعلى رأسهم وفي مقدمتهم صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة حين يتنادون للمّ الشمل وتوحيد الصف، ولعقد مؤتمر القمة العربي، إنما يستلهمون الحقائق الكبرى في الحياة العربية. حقيقة أننا أمة واحدة تنبض بعواطف مشتركة، وتنهل من معين تاريخي وثقافي مشترك، ويتعلم أبناؤها وينطقون بلغة الضاد، لغة القرآن الكريم، الذي وحّد هذه الأمة المترامية الأطراف منذ سطع نور الإسلام في جزيرة العرب. يستلهمون أيضاً حقيقة أن الأعداء لا ينظرون إلينا في تفرقنا وإنما في وحدتنا الكامنة والمحتملة، وأنه على هذا الأساس ومن منطلق هذه النظرة نُعد جميعاً محاصرين حضارياً وعلمياً، ولن نفلت من هذا الأسر إلا إذا نفرنا جميعاً نفرة رجل واحد، ساعتها ستُحبط خطط الأعداء وتندحر، مثلما يدحر سيل جارف أو ضارٍ مجراه. إن مستقبل الأمة العربية مرهوٌ بعقل سياسي يمتلك وضوح الرؤية وقوة الإرادة، ويُحسن استثمار طاقاته الحيوية. وبدون شك فإن هناك معوّقات كثيرة بعضها ناتج عن النظر المحدود للمصالح الذاتية وبعضها الآخر راكمته الأيام وكرّ الليالي والعلاقات المتبادلة التي لم تكن يوماً من الأيام على ما يرام، ولكن هذه المعوّقات ستنقشع جميعاً كما ينقشع الضباب حال سطوح الشمس إذا أشرق العقل العربي السياسي الجديد الذي طال مخاضه وطال انتظاره.