قصيدة “أغلى من الجوائز” التي ألقاها بين يدي صاحب السّمو رئيس الدولة الشاعر المتمكّن حمد بن خليفة أبو شهاب لمناسبة اختيار سموّه شخصية العام الإسلامية، أبرزت (بيت القصيد) كما يقول العرب في مطلعها، على عكس المألوف في الغالب، حيث يبدأ الشاعر متمهلاً هادئاً ثم تتصاعد أنفاسه وتجيش مشاعره ليغوص على الدرة التي تعرف فيما بعد بـ (بيت القصيد) وهو البيت الكاشف لمرامي القصيدة والمضيء لأبعادها، والمتحكّم في تفرعاتها، كما يتحكّم جذع الشجرة العظيمة بفروعها الريّانة مهما تسامقت واتسعت وتشابكت.
هنا تجلّت حرفية الشاعروقدرته الفريدة على الغوص المبكّر واحتباس أنفاس مستمعيه، فجعل من القصيدة بيتاً، ومن البيت قصيدة، وهذا الاستفتاح ينطبق عليه المثل العربي: “قطعت جهيزة قول كل خطيب”… فهذا البيت قال ما قبله، ووشى بما بعده.
ولا شك أن قوة الإلهام، ولطافة الاستلهام على أرضية الحب والتقدير والإعجاب غير المحدود الذي يكنّه الشاعر لممدوحه قد جعلت بيت القصيد حُكماً في الاستهلال، ذلك أن لكل مقام مقال، وهذا مقام الإيجاز والإعجاز، وإذا كان العرب قد قالوا: “ومن طلب العُلا سهر الليالي”… فأنا لا أشك أن شاعرنا قد سهر الليالي ليقول لنا عظيم المعنى في وجيز اللفظ، وليهذب ويشذب وينسق هذه الباقة الشعرية الشعورية المتقنة الصنع:
أنت أغلى من الجوائز مهما
كبرت قيمة وشأناً
وإسما
ومقاماً ورفعة
وعلواوسمواً لأنت أزكى
وأسمى
|
هذه خلاصة الخلاصات، والحكم القاطع المانع، وما ثم غير الحيثيات والأسباب والمسببات، والشاعر ازاءها يغرف من بحر، بعد أن نحت استهلاله من صخر، شأن المعماري المحنك الذي يدرك أن الأساس المتين هو ضمان البناء الشاهق المكين، فماذا في التفاصيل؟
أنت أعلى من الجوائز
جاهالو وضعنا للفضل والجاه حكما
أنت من تمنح الجوائز
فضلاًونوالاً من راحتيك
ونعمى
لست شخصية ليوم وعام
أو لجيل أو أمة لك
تنمى
أنت شخصية الزمان
بحقوالدُّنى كلها تحييك
شهما
|
ألا تلاحظ هذه القافية الممتدة المطمئنة التي تحمل الشاعر على أجنحة من نسيم رخاء يمنحه الرؤية الصافية من علو شاهق والتحكم بحركة المعاني وتقطيع موسيقى البيان:
أنت فوق الرجال فذٌّ
كريمأنت بالإسم زايد
والمسمّى
أنت فيض من الكريم
وفضلسال ودقاً وفاض غيثاً
وأما
كل قُطر وكل مصر
ودارلم تدع بقعة من الأرض تظما
|
حقاً إن من الشعر لحكمة… وإن من البيات لسحراً… فإلى الغد