للزعامة الحقة إلهام وأي إلهام، فبها يصلح العباد، وتطمئن أنحاء البلاد، وإليها يلجأ الناس في معاشهم وأمنهم، وفي رؤيتهم إلى ماضيهم وإلى مستقبلهم، وعنها تصدر القدوة، ومنها تُطلب العزوة، وفيها يتجسّد نوع الزمان وتجليات المكان.
والزعامة الحقة بقدر ما هي مُلهِمة (بكسر الهاء) بقدر ما مُلهَمة (بفتح الهاء) فهي تستمد العون من الله تعالى، وتستند إلى تراث من الحكمة والقيم والضوابط ومفاتيح معرفة الخير والشر، وإلى رؤية كاشفة لأحوال الناس وأوضاعهم ونفسياتهم وأساليب وطرق التعامل معهم بما يفيدهم ولا يضرهم، وبما يؤنسهم ولا يوحشهم، وبما يهديهم ولا يضلّهم، وبما يغيّر أنفسهم نحو الأفضل والأنفع، عملاً بقول الله جل وعلا:{إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم}.
من هنا نجد سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في قصيدته الاحتفالية التي رفعها إلى مقام صاحب السّمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لمناسبة اختياره شخصية العام الإسلامية لعام 1999م يستعرض بسلاسة سلسلة القيم (الزّايِدِيَّة) الناصعة في جبين التاريخ وفي تاريخ الزعامات، فهو ملاذ الناس القاصين والدانين الذين يتقون به صروف الدهر ومحنه، وهو القائد الذي لا يتلوّن في زمن يتبدّل فيه الناس كجلود الثعابين، لأن معدنه صافٍ كالذّهب، وهو الموصوف بالصدق والخير والمعروف، وهو موحّد الإمارات وبانيها الأول، وهو داعية لم الشمل العربي، ومحب العدالة والكاره للظلم، وقبل كل ذلك وبعده هو المعتصم بكتاب الله تعالى وطاعته، وكفى بذلك شرفاً ومرتبة.
يتلوّن الدهر بأشكال
وألوانيوتتبدل الناس كجلود
الثعابيني
وزايد مثل ما عرفته شهم ما
لانيمعدنه صافي الذهب ما فيه تلويني
بالصدق والخير والمعروف من كاني
والصدق والخير والمعروف هالحيني
يا سيرة المجد هل شاهدت
إنسانييزيد زينه ومعروفه على الزيني
ويا سيرة المجد ما تبغين
عنوانييكفيك زايد عن كبار العناويني
|
لقد ورد اسم (زايد) صراحة أكثر من عشرين مرة في القصيدة، وحوالي ذلك إشارة وكناية وضمائر، ومع ذلك لا يشعر القارئ لقصيدة الشيخ محمد بأن في التكرار ما يغض من فنية القصيدة أو يحملها ملا طاقة لها بها، ذلك أن التكرار قدد جاء عفواً لا محل فيه للتكلف ولا أثر للصنعة، وإنما هو الكلمة العذبة في مكانها، والإسم المواكب للقيم السمحة تولد من خلاله وتجلّى معدنه في ضوئها، وهذا النوع من القصيد نادر ندرة أصحابه.
ولنا في الغد وقفة مع القصيدة التوأم لقصيدة الشيخ محمد والتي أبدعها الشاعر حمد بن خليفة أبو شهاب للمناسبة نفسها، فإلى الغد…