كما أَلهمت أعمال وأخلاق سيف الدولة الحمداني شاعر العربية الأكبر أبا الطيب المتنبي روائعه التي قال عنها بحق:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي
إذا قلت شعراً أصبح الدّهر منشدا
فسار به من لا يسير
مشمّراًوغنّى به من لا يغنّي
مغرّدا |
كذلك ألهمت أعمال وأخلاق وشمائل صاحب السّمو رئيس الدولة مخيّلة وقريحة سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ففاضت بمعزوفة ولاء، لا تشوبها شوائب الرياء، وتجلّت عن خالص دعاء، لا يطمح إلى رجاء أو عطاء، وإنما هو الحب الخالص النقاء، الكامل الوفاء، الشفاف الصفاء، ذلك أن الممدوح والمادح كلاهما من علياء دوحة المجد، فضائل خلق، وصدق نطق، وحسن عمل، وسياسة وكياسة وتآلفاً للقلوب. وفي هذا المستوى الرفيع تكون الإبانة والتصريح اعترافاً بأبوّة جيل لجيل، وإشادة بعبقرية تجاوزت مكانها وزمانها لتصبح منارة لكل العصور، وعاطفة صادقة لشعور عميق بالإمتنان حين يصبح الزمن ممثلاً في شخص، وتتكاتف مكارم الأخلاق لتصبح إنساناً يتخذه الناس قدوة.
لا غرو في هذا المستوى أن يكون القائد أباً، والأب أخاً، والأخ صديقاً وعضيداً ومرشداً ومقوّماً، والشاعر هنا لا يعبّر عن نفسه فقط، وإنما عن جيله، وعن أجيال لا تزال في علم الغيب، فإنما هو لسان قومه كما كان الشاعر في كل العصور، وسحائبه التي يستسقيها، إنما تعمّ كل البلاد، كما عبر عن ذلك أبو العلاء المعري بقوله:
فلا نزلت عليّ ولا بأرضي=سحائب ليس تنتظم البلادا
إذاً… قمة الشعور بالإندماج بين المادح والممدوح تعبّر عن نفسه بجلاء في عدد مستويات التقاء المشاعر وتآلف الضمائر، وعلانية السرائر:
وزايد أخويه وصديقي وكل
خلانيوزايد عضيدي وعزمي ومن يجدّيني
وزايد هو الناس والدنيا وما
كانيوزايد وزايد وزايد كل تكويني
أفديه بالروح وأولادي
وأعوانيوأفديه بالعمر لي باقي من سنيني
به نتجي من صروف الدهر
لمحينيملاذ للناس من قاصي ومن
داني
|
وهكذا… من الأبوة إلى الأخوّة إلى الصداقة، وهي علاقات إنسانية تقوم على التبادل ضمن مستوياتها، ينقلنا الشاعر إلى مستوى معنوي أبعد إيغالاً يتعلق بالمعاضدة وبث العزم والتوجيه والتقويم وذلك لا يكون إلا من الوالد للوالد ومن الأخ والصديق والأستاذ الأكثر تجربة والأغنى حكمة لرفيقه وتلميذه السائر على دربه والمترسم لخطاه. ويتنبّه الشاعر إلى هذه الحميمية الثنائية التي لم يردها إلا مثلاً فيبادر إلى فتح خطوط شخصية ممدوحه الممتدة إلى كل الناس: “ملاذ الناس من قاصي ومن داني” هنا تنفتح القصيدة على أفق جديد شديد الجاذبية… فإلى الغد