كان (البردّوني) فدائياً في الشعر، عقلانياً في السياسة، روحانياً في استشفاف الآتي وتوليده من الماضي، وفي جماع أمره كان مقاتلاً على الجبهات الثلاث، لم يخلع بزّة الصراع منذ خاطب الإمام (أحمد) في الأربعينات لمناسبة عيد الجلوس:
عيد الجلوس أعِر بلادك مسمعاً
تسألك أين هناؤها هل
يوجدُ؟تمضي وتأتي والبلاد
وأهلهافي ناظريك كما عهدت وتعهدُ
|
لقد اختار (البردّوني) موقعه في الصرع منذ بزوغ وعيه، إختاره بالانتماء الطبيعي، فهو من فقراء اليمن الذين عرفوا الجوع والضياع وفقدان الأمل، كما اختاره بالظرف الخاص الذي شوّهه الجدري وأفقده بصره بالجهل في فترة مظلمة من تاريخ اليمن، لم يكن فيها طبيب ولا مستشفى، وكان وليّ الأمر (الإمام) أميل إلى إبقاء الناس في ظلماتهم يعمهون.
واختار (البردّوني) موقعه في الصراع بالوعي الذي جذّر في نفسه وفي صدره ضرام الثورة، ولم يعرف طوال نصف قرن الرضا عن الأوضاع التي تعاقبت على اليمن، وظل ناقداً من موقع الحب، وتطلّب الأفضل والأكمل، ذلك الحب الذي جعل منه أباً روحياً لزعماء اليمن المعاصرين الذين اعتبروا مرجعيته الشعرية بمقام المرجعية الدستورية في الحياة العامة. أمّا عامة الشعب فقد كانوا شديدو الفخر بشاعرهم وماجلبه لليمن من مكانة إبداعية على مستوى الوطن العربي، وقد كان بشَعره الكثّ المنفوش، وضحكته المجلجلة المليئة بالتعبير الذكي موضع ترحيب وإجلال أينما حلّ وارتحل في ربوع اليمن الكبير، وحين كان يُسأل في الخارج عن أحوال اليمن كان يقول بين الجد والمزاح لسائله: أنظر إلى وجهي تعرف أحوال اليمن.
ومن أبياته السائرة في أحوال اليمن والتي أصبحت على كل لسان ما قاله في السبعينات:
فظيعٌ جهل ما
يجريوأفظع منه أن
تدريوهل تدرين يا صنعاء
من المستعمر
السرّيغزاة لا أشاهدهم
وسيف الغدر في ظهري
|
وقوله أيضاً:
يمانيون في
المنفىومنفيون في
اليمنجنوبيون في
صنعاءشماليون في عدن
لماذا نحن يا
دربيويا منفى بلا وطن
بلا ماض بلا
آتٍبلا سر بلا علن
أيا صنعاء متى تأتين
من تابوتك
العفن |