قصة (الفراعنة جيت) التي أشرنا إليها أمس وقبلها قصة (سميح القاسم) الذي استـُدعِي إلى الأردن ثم ألغيت دعوته بحجة أنه من المطبّعين وأنه يحمل جواز سفر إسرائيلياً الأمر الذي دفع بالشاعر السوري (ممدوح عدوان) إلى القول بأنه لو كان مكان (سميح) لما فعل غير ما فعل، مشيراً إلى التاريخ النضالي الناصع للشاعر، هاتان القصتان وغيرهما مما يأتي به الرياح لأن الأيام حُبلى والليالي يلدن كل جديد، ليستا سوى بعض تجليات السراب في صحراء المتاهة العربية المغمورة بالرمال المتحرّكة، فلا عنترة سيكرّ بسيفه البتار في وجه الغزاة ولا النوق الحمر ستمرّ عبلة التي تذبل في الانتظار، كما ذبلت (بينلوب) اليونانية التي كانت تنسج غزلها ثم تحله لتنسجه من جديد لكي تشيع اليأس في قلوب خطابها الطامعين الذين ينتظرون وعدها بالقبول حين تنتهي من نسج الغزل بينما هي تضمر اللعب على الزمن في انتظار الذي يأتي ولا يأتي.
وأنا أشعر بالعطف على نواب الشعب في كل مكان من الوطن العربي الكبير، فلاهم من السلطة وبأيديهم الصولجان, ولا هم من المعارضة في أيديهم عصي الخيزران، وإنما هم في الغالب شيء بين الشيئين لا لون ولا طعم ولا رائحة له، وقد يكونون نافعين في حل مشاكل أبناء وبنات دوائرهم فيما يشبه عمليات الواسطة المشروعة! لدى الدوائر والمتنفذين، ولكنهم في القضايا العامة الكبيرة التي تتولاها الحكومات وتنهض بأعبائها الجِمال من حمّالات الأثقال في محافل الدول يبدون شبه بالهواة، يمروون قوانين مثيرة للجدل ثم لا يلبثون أن يضيقوا بتطبيقاتها، ما بين تمرير القوانين وتداعيات التطبيق تمر تمياه كثيرة لا يعود معها النهر ذلك الذي كان من قبل.
النائب (الفراعنة) الذي لا علاقة له ببناةِ (الأهرام) الذي قال عنهم المثل: “يا فرعون مين اللي فرعنك؟، قال: ما لقيت حد يشكمني”، لا يكتفي بالدفاع، وإنما يبادر بالهجوم فيقول: “في جيبي قائمة بأسماء النواب الذين يشاركون الإسرائيليين في الأعمال الخاصة” وهنا يبدو التطبيق المبدع لمقولة: “إن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم”.
وحتى يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وحتى تنشر الصحف أو تطوى نكرر مرة أخرى إن هذا عرض لمرض، وسألوا زرقاء اليمامة إن كنتم لا تعلمون.