أيام في الأردن 8

منذ افتقدت ذلك الشعار العربي العتيق المصكوك شعراً والقائل:

أقول منذ افتقدته ربما من زمن الطفولة لم أعثر عليه مجدداً إلا في العاصمة الأردنية عمّان، صحيح أن شعارات أخرى أكثر زعيقاً قد حلّت محله لفترات طالت أو قصرت ولكن الزمن بعد أن حكّها أو وضعها على المحك أثبت أنها عملات زائفة، وأن أشدها اقتحاماً لم يصمد أمام جبروت القُطرية وأنانية المصالح الذاتية إلا:

وذلك على حد تعبير عمنا الذي عرف بالتشاؤم والتطيّر الشاعر الكبير (ابن الرومي).

صحيح أنني التقيت بالشعار فالحميم اللصيق بشغاف قلبي وأظنه كذلك في قلوب الكثيرين من أبناء قحطان وعدنان وداحس والغبراء، التقيته معلقاً على لافتة بجبل الحسين على بعد أنفاس من المدينة الرياضية التي يتنازل فيها شباب العرب (ليس اشتقاقاً من التنازلات في المفاوضات مع اسرائيل، وإنما من النزال الذي يعني العكس تماماً) ولتسلم لنا لغتنا الجميلة التي تمنحنا المعنى ونقيضه في إهاب واحد يفهمه كل كما يريد). ولولا ذلك لكان أكثرنا قد قضوا من الهم والكمد.

عمّان وحدها تقريباً تقول “أنا” على استحياء، وتقول “نحن” بكبرياء أصيلة، ذلك أنها لا تملك ترف “الأنا” بحكم الجغرافيا الحاكمة التي تعرفونها جميعاً، وبحكم الموارد المحدودة التي كانت خيراً وبركة لجهة بناء الإنسان الذي يطبق شعار:

وبحكم التاريخ أيضاً حيث يحمل الأردن والأردنيون إرث (الثورة العربية الكبرى) التي آذنت العرب ببزوغ زمن الحضارة وجحافل المجد قبل أن تنتكس وتربط خيولها فوق جبال عمّان وفي أربطة وديانها، وأخيراً وليس آخراً فإن الأردن هو الوجه الثاني لفلسطين شاء أم أبى، لذلك فإن البلدين والشعبين أقرب إلى بعضهما من حبل الوريد.

إن كلمة (الأردن) تعني في اللغة العربية الشدة والغلبة، لذلك فإن الراحة هنا هي استراحة المحارب بين شدّتين، وهذا ما جعل سكّان الأردن أكثر شفافية ووعياً بالعرب والعروبة، لذلك فقد طاب لي أن أغني فوق جبال عمّان: “بلاد العُرب أوطاني… من الشام لبغدان…” وللعلم فإن بغدان هي بغداد التي تموت من العطش والفراتان مهرها.