كان الكسوف في الأردن يوماً للهدنة. فقد انشغل الناس بهذا الحدث الكوني الفريد عن همومهم اليومية المعتادة.
ولا شك أن (عبدالرؤوف الروابدة) رئيس الوزراء قد تنفس الصّعُداء ليوم أو بعض يوم في مثل استراحة المحارب في المعركة المتصلة الحامية الوطيس بينه وبي الصحافة التي تشتكي من ضآلة الحرية بينما هي في الواقع تتمتع بكم وفير منها تحسدها عليه صحف الديمقراطيات العريقة.
ولكن، كما يبدو فإن الحرية شيء وثمارها شيءٌ آخر، فالصحافة في واقع الأمر تشتكي من قلة الفاعلية، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الفاعلية ترتبط بالحرية المسؤولة وبالنضج الحكيم في التحليل والاستنتاج والاستشراف، ذلك أن النقد أحياناً يشبه الهدم، هو سهل المنال وله ضجيج ودويّ، أما البناء فعلم له أركانه ومحاذيره ووسائله، وما كل من ركب الفرس قال أنا فارس.
شخصية دولة (عبدالرؤوف الروابدة) تغري بالمناكفة، وبقدر ما يبدو للصحافة بأنه صيدٌ سهل المنال، بقدر ما يتأكد لهم يوماً بعد يوم أن “لحمه مرّ المذاق” وأنه ليس من الطيور التي يؤكل لحمها، ذلك أنه كما يقول العرب “من لا يعرف الصقر يشويه”. ولطالما راودني الإحساس صباح كل يوم وأنا أفرش صحف الصباح الطازجة أمامي أن زملائي الصحافيين يتمثـّلون في معركتهم المتصلة مع (الروابدة) قول امرئ القيس:
وقد أغتدي والطير في وكناتها
بمنجرد قيد الأوابد
هيكلِ |
ولكن الفريسة –(الروابدة)- تقلّب لهم ظهر المجن لتؤكد أنها هي المعنية بقول امرئ القيس:
مكرٍّ مفرًّ مدبرٍ مقبلٍ
معاكجلمود صخر حطـّه السيل من علِ
|
ومن واقع متابعتي لا أظن أن هذه المعركة ستنتهي إلى صلح، ولكنني أخشى على زملائي أن يرددوا ذات يوم مع الشاعر:
ربّ يومٍ بكيت منه
فلمّاصرت في غيره بكيت عليه
|