قضايا كثيرة تشغل الأردنيين وتقضّ مضاجعهم وتستنفر قواهم الحيوية، وهم بالمناسبة من المجتمعات الشابة جداً – إذا صحّ التعبير – وعلى الرغم من عدم توفر أرقام لديّ إلا أنني أجزم أو أكاد أجزم بأن الغالبية العظمى من سكّان هذا البلد هم من الشباب. ومما يلفت النظر بوضوح الخروج الكاسح للشّابات إلى ميادين العمل، وليس فقط مجرّد أعمال هامشية لا تسمن ولا تغني من جوع، وإنما ككوادر مؤهلة ومدربة ومنضبطة، إضافة إلى نضج في الشخصية وثقة كبيرة في النفس. ومن الواضح أن الوضع الاقتصادي كان في أساس هذه الظاهرة. إلا أن الحُكم الرّشيد والتواصل مع العصر كان عاملاً هاماً في تقديري، فالعائلة المالكة في هذا البلد تعتبر قدوة في خروج سيداتها إلى العمل العام، والناس كما قيل “على دين ملوكهم”.
أما عن القضايا فكثيرة، بعضها سياسي مزمن كتداعيات قضايا التسوية في المنطقة على هذا البلد الصغير بمساحته، الحسّاس بتركيبته السكانية، الخطير بموقعه الجغرافي بين كبريات دول المشرق التي تعاني من اختناقات وجودية لاتدري معها متى تنفجر وفي أي اتجاه. وقد تعلّم الأردنيون من التاريخ أن أي عاصفة تهب لا بد لها أن تَعبُر في أجوائهم، لذلك فهم يتطلعون دائماً إلى البعيد، وينصتون إلى كل همسة، ويفسّرون كل إشارة. ولقد كان جلالة الملك الراحل (الحسين بن طلال) واحداً من أبرز الجوالة في التاريخ لمعرفة خفايا ما يطبخ في القريب والبعيد، ويبدو أن خلفه الملك (عبدالله) قد يفوقه في هذه الخاصية التي تتجسد في دبلوماسية الذهاب إلى الخطر بدلاً من انتظاره حتى يأتي إليك.
هذه الدبلوماسية الهجومية الجوالة طوّرها الملك الجديد على الساحة الداخلية، حيث يأخذ في التخفي وزيارة المرافق للإطلاع عن كثب على سير العمل، وقد عبّر أحد الصحفيين عن ذلك بقوله أنه يعكس عدم ثقة الملك بالأجهزة التي يفترض أن تضع على مكتبه تقارير موثوقة وأمينة عن مجريات الحياة، ولكنني أقدر أن ذلك من باب “ليطمئن قلبي” كما أن لكل شيخ طريقة كما يقال.
وفي كل الأحوال فإن العبرة بالنتائج، وقد كانت ردود الأفعال مشجعة وإيجابية حتى اللحظة، ومثل هذه الحركة في العادة تعكس رغبة ملحة في التغيير والفاعلية.
ولحديث القضايا بقية في زاوية السبت القادم.