حاولت اللحاق بالإجازة الصيفية في أواخرها، لذلك وبينما كنت أنساب بسيارتي عبر الجزيرة العربية متجهاً من الإمارات في أقصى الجنوب إلى الأردن في أقصى شمال الجزيرة على امتداد ما يزيد عن ألفي كيلومتر كانت السيارات العائدة من الإجازة والمتجهة في عكس اتجاهي تفوق تلك المتجهة إلى العاصمة الأردنية عمّان عدداً، ذلك أن موعد المدارس اقترب، ونقود المبكرين بالتصييف نضبت.
ومع ذلك فإن (آب اللهّاب) يجعل من عمّان واحة للأنسام ومصيفاً يجمع إلى فرادة الجغرافيا وتميّز المناخ تلك الجاذبية الحضارية التي جعلت منها منتجعاً طبياً لأهل المنطقة ومركزاً علمياً لأبنائهم، وقد بُذلت في هذا الاتجاه جهود رسمية وشعبية دؤوبة ومضنية. فبلد كالأردن يمتلك موارد طبيعية محدودة بكل المقاييس. في الوقت الذي يتزايد فيه سكانه بمعدلات عالية، لا بد له أن يتّجه إلى مناجم العقول ووديان الخبرات، ومصانع الخدمات المميزة التي لا تنضب مواردها، وكلما استخرجت منها أكثر ازدادت ثراءً وغنى.
والأردن في هذا الشأن متميّز بمقاييس المنطقة ولكن أمامه شوطاً كبيراً بالمقاييس العالمية وحتى بمقاييس الجوار (الإسرائيلي) الذي يتحدى العرب جميعاً ليس بالدبابات والطائرات وإنما باستخدام العقل في إطارالتحدي الوجودي الذي شخصة منذ وقت مبكر الكاتب الراحل (أحمد بهاء الدين) بأنه صراع حضاري بالدرجة الأولى.
عمّان التي يصحّ تخريج اسمها عربياً بأنه جمع (عم) أي (شقيقان) ليتناغم مع اسمها الروماني (فيلادلفيا) أي الأخوين المتحابين. عمّان هذه سواء أكانت القديمة أم المعاصرة لا تبعد كثيراً عن مرمى سهام اسمها، فما زال عنصراها الغالبان من سكان الضفة الشرقية لنهر الأردن والقادمين من الضفة الغربية هما عماد كل فعالياتها وأساس وجودها الحضاري والإنساني، وكان جلالة الملك الراحل (الحسين بن طلال) يدرك ذلك بعمق وبعد نظر، ولطالما تحمل من الأذى الكثير لتبقى هذه اللحمة لا انفصام لها بين الأردنيين والفلسطينيين، ويبدو أن خلفه الملك (عبدالله الثاني) ليس بأقل وعياً ولا إدراكاً لهذه النقطة المفصلية التي ترتب استحقاقات كثيرة وتفرض دوراً لا مفرّ منه ويشبه الأردن في حومتها البطل الإغريقي (أخيل) الذي كان غير قابل للهزيمة إلا عبر نقطة ضعف قاتلة في عقبه أو كعب قدمه صارت رمزاً لكل ضعف يكمن في أساس قوة فيقال (عقب أخيل) حيث رماة السهام من الأعداء يركزون على ذلك الجزء.