ليس من مصلحة العرب تأجيج الخلافات والدفع بها إلى طرق مسدودة مهما كانت المبررات والدوافع. وقد أثبتت تجربة العرب – منذ إنشاء جامعة الدول العربية – في منتصف الأربعينات أن الحوار والتنسيق والعمل المشترك هي قدرهم وطريقهم إلى التنمية والأمن والحضارة والمستقبل. وما من خلاف عربي أثمر خطوة إلى الأمام، وما من تنسيق عربي أخفق في بث الأمل على الأقل، إن لم يكن قد دفع بمسيرة أطرافه خطوات متقدمة.
التنسيق المطلوب ليس ترتيباً على السطح كلقاء الإخوة الغرباء – ولا أقول الإخوة الأعداء – ولكنه ينبغي أن يكون عملاً في العمق هادئاً ومدروساً ومتوازنا ومتدرجاً، تسنده رؤية محكمة إلى الأفق الواسع، حيث الموروث المشترك، والمصير الواحد. وعلاقة هذه الأرض التي تسمى عربية بالعالم الواسع من حولها الذي هو غير عربي ولكنه عالم إنساني يسكنه أناس يشبهوننا، ليسوا بالضرورة حادبين علينا ومتفهمين لمكوناتنا الثقافية والروحية وحاجاتنا الإقتصادية، ولكنهم أيضاً ليسوا أشباحاً ولا أعداء بالمطلق، تتقاطع خطوطنا وخطوطهم، وتتنافر نفوسنا ونفوسهم، قد نختلف معهم في تقدير أمر من الأمور أو في رؤية مصلحة من المصالح، أو حول مغنم من المغانم، وذلك شأن هذه الأسرة الإنسانية منذ كانت ومنذ كان الوجود، ولكننا نجد أمامنا متسعاً للحوار والتواصل وتبادل المصالح وتوسيع دائرة الفهم والتفاهم مع احتفاظ كل طرف بهويته.
إن ما بين العرب ليس فقط اللغة واللسان الذي نسبوا إليه وسموا به، وإلا لكان الناطقون بالأسبانية أمة واحدة، والناطقون بالإنجليزية أمة واحدة، إن ما بين العرب شأنهم شأن أي أمة حية هو ما يشبه الجسد الواحد الذي لا يمكنه الإستغناء عن طرف من أطرافه أو عضو من أعضائه، وأيهم أراد أن يقوّي مركزه على حساب مركز آخر طمعاً أو انتقاصاً فإنما يضعف دورة وحيوية ذلك الجسد الحي. الشعوب تشعر بهذا الأمر بصورة حية تتفجر ألماً عندما تستشري الخلافات، وتزدهي فرحاً عندما يتم التواصل والتعاون والتآلف. لقد أتاح التاريخ فرصاً عديدة لأقطار بمفردها لتخطو فيها تلك الأقطار كمنارة لإضاءة الطرق للآخرين والأخذ بيدهم، كانت ترتقي وتتعمق بتجربتها ويحيطها سياج من الأمان والتأييد، وفي كل مرة انعزلت فيها كان يغمرها محيطها بالمتخلف ليطفئ تلك الشعلة الوليدة ويرمي بنا إلى الخلف عقوداً وسنوات.