قفل نتانياهو دكانه السياسي تماماً، فقدم استقالته من قيادة حزب (ليكود) كما استقال من الكنيست (البرلمان) معلناً اعتزال الحياة السياسية، بعد أن مُني بهزيمة كبيرة أمام خصمه السياسي إيهود باراك زعيم حزب العمل، الذي يتقدم الآن إلى واجهة المسرك للعب دور (البطل) بعد أن وافق أغلبية الناخبين على النص المعدّل وهيأوا أنفسهم لمتابعة الإخراج الجديد للمسرحية نفسها.
ربما كان الإنسحاب الذليل لـ (نتانياهو) إلى الظل والتفكير في عمل مفيد يأكل من ورائه لقمة عيشه هو الحسنة الوحيدة التي سيذكرها له التاريخ، وكلمة حق لوجه الله تعالى، فإن الرجل الوقح الصلف – الذي كان منفوخاً مثل بالون عكر – قد تلقى الصفعة بقدر مضاد تماماً لصلفه، فاستسلم وسلّم أمره، وكان الإحتقان بادياً على وجهه مثل طفل منحرف ضبط وهو يسرق البيض من قن الدجاج الخاص بالجيران.
وقد عجز ذلك المتعجرف حتى عن تصريف الأمور العادية خلال الفترة الإنتقالية، أو استقبال المسؤولين الكبار في إدارته ممن يقدمون إليه التقارير ويطلعونه على مفاتيح الوضع العام، ذلك أن أمثال نتانياهو من المغرورين الذين يتصورين أنهم رسل العناية الإلهية ينهارون تماماً إذا انكشفت سوءاتهم وأُركِبوا حمار التاريخ بالمقلوب ليكونوا عبرة في زمان قل فيه المعتبرون.
مرة أخرى لا بد من الإشادة مهما كانت قبيحة بطريقة انسحاب نتانياهو دون لت ولا عجن ولا إلقاء باللوم على (الإمبريالية)، ولا تهديدات عنترية بأن الأنصار والمحاسيب والأزلام سيجعلون من جماجم الأعداء منافض للسجائر إلى آخر تلك المعزوفات التي جعلت أبطالنا العرب الميامين يخوضون حروباً (دونكوشوتية) لا طائل من ورائها سوى الغبار الذي ملأ خياشيمنا بالميكروبات.
وغداً حين يعمل نتانياهو بائعاً لأحمر الشفاه وكريمات التجميل وأدوات المانيكير والباديكير سيتذكر وجهه الأحمق الآخر، ذلك الـ (نتانياهو) القديم، وسيعترف بينه وبين نفسه أن الحياة قدمت له فرصة عطرية على طبق من ذهب، وسينسى أنه كان ذات يوم رئيساً لوزراء إسرائيل كما نسي الرئيس ريجان أنه كان ذات يوم رئيساً لأميركا.
وإذا كان أعظم الدروس وأثمنها هي ما يقدمه الأعداء، فليتعلم العرب أهمية وقيمة وحضارية التداول السلمي للسلطة، وأن يقفل الزعيم دكانه السياسي عندما يبدأ البيع بالخسارة، وينصرف عنه المشترون، وليكن على ثقة أنه إذا لم يدخل التاريخ بدخوله إلى السلطة فربما دخله بخروجه منها.