أوراق المفرق – 5

أيقنت بعد أن هدأت نفسي من مهزلة تعليمات لغة “الواق واق” المكتوبة بالأحرف العربية على مصاعد مستشفى المفرق؛ أن المترجم والخطاط كلاهما لم يكونا يفهما العربية، فالأول ترجم عن الإنجليزية فلجأ إلى قاموس (انجليزي – عربي) ولما كانت كل مفردة أمامها عدد من المعاني قد تصل إلى درجة التناقض فإن صاحبنا يختار أي مفردة كيفما اتفق وبالبركة، أما الخطاط فإنه لا يخط بمعنى فهم ما يكتبه، وإنما يرسم، لذلك لا فرق لديه بين الأحرف المتشابهة ومواقع التنقيط فـ “كله عند العرب صابون” وبذلك انطبق المثل القائل: “عميه تخضّب مجنونة” ولك أن تتصور زينة خِضابِ التي لا تكف عن الحركة من واقع لمسات العمياء التي لا ترى شيئاً… هذا هو اجتهادي والله أعلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وصلت غرفتي وأنا مرهق تماماً فقد قضيت حوالي ساعة ونصف الساعة على الرصيف المواجه للبوابة الرئيسية لإجراء واستقبال مكالمات الوساطات ونتائجها على الرغم من أنني جئت بموعد مسبق وبيدي بطاقة دخول للمستشفى موقّعة ومختّمة، أما لجوئي إلى الرصيف فبسبب أن (الموبايل) يتوقف عن العمل في الطابق الأرضي، ثم قضيت حوالي الساعتين في ردهة انتظار مواعيد العيادات الخارجية حيث تُعطى أرقام متسلسلة لجميع المرضى فيكون البعض رقمه واحداً أو اثنين أو ثلاثة بينما ينادي الهندي الذي يتمايل طرباً من شدة إعجابه بنفسه على رقم 30 أو 49 أو حتى 93 فيضطرب الناس أصحاب الأرقام الأصغر متسائلين عن سبب تجاوزهم فيقال لهم أن الرقم لا معنى له سوى اثبات الحضور، وطبعاً من هذه الثغرة تتسلل جمالٌ بأحمالها، ومن هذا ذلك الشد العصبي الذي يضطرّ الناس إلى محاولة تجاوز أدوارهم فيتكدّسون ويتزاحمون على أبواب الاستشاريين الذين يعانون الضغط والإحراج غير المبرّرين وتتسائل: “هل عجز العقل المنظم عن إعطاء أرقام متسلسلة لكل عيادة على حدة فيعرف المريض عدد الذين سبقوه ودوره على وجه اليقين؟”.

أما الساعة ونصف الأخيرة فقد قضيتها في مكتب (الجابري) نائب المدير وقد سبق أن قصصت عليكم جانباً من معاناتي ومعاناة الرجل ومعاناة عباد الله أجمعين، وهذا دفعني ويدفعني إلى الكتابة، والله على ما أقول شهيد… أما أنا فإلى “حيث ألقت…”

في الغرفة لم أستطع إغماض عيني لأن نافذة صغيرة كانت تصب أشعة الشمس صباً وقد اقتضى الأمر 24 ساعة لاستعادة ستارتها الغائبة، فكأنما أخرجناها من فم الأسد، قلت لنفسي بعد هذا العناء ليس هناك ما ألطف من (دوش) بارد ولكن تجهيزات الحمام كانت مخلّعة، وفي التالي كدت أن أصاب بكسر في العمود الفقري لأنني أمسكت بالمقبض المثبت في الجدار وأنا أنهض من (البانيو) فانخلع ورماني إلى الخلف كالكرة المرتدة، قلت الله قدر ولطف، إني هي إلا بعض الخدوش ومن الواضح أن هناك جهاز صيانة “حنّان طنّان” في المستشفى/المدينة، ولكنه بحاجة إلى تفعيل وإلى أن تكون المواد للاستخدام الثقيل المتكرر وليس للديكور، ورحم الله المتنبي القائل:

ولم أر في عيوب الناس شيئاً = كعجز القادرين على التمام

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s