أوراق المفرق – 2

الله يسامح الطبيب اللندني الشهير الدكتور (موراي) فولاه ما جئت إلى (المفرق) ولظللت أسترشد بغريزتي الشافية شأن أعضاء المملكة الحيوانية الربانية من العجماوات التي نفحها الله تعالى بموهبة علاج نفوسها قبل أن نغريها نحن البشر بالطب البيطري الذي أضعف أجهزة المناعة ليها وغشى على بصائرها النافذة، فأصبح ينطبق عليها المثل القائل: “مثل النعامة لا طيرٌ ولا جمل”

نعم… لقد ضيّعت الحيوانات المشتين، كما ضيعناها نحن البشر من قبل، ومع ذلك فربما تصبح أنفع لنا، فالطب الجيني “نسبة إلى الجينات” التي أخذت الهندسة الوراثية تقتحم حصونها الأسطورية مبشرة بفكفكة (الجينيوم) البشري الحامل لأسرار الحياة والوراثة، والذي يمكن بواسطته الإبحار في الزمن رجوعاً إلى الماضي السحيق لنلتقي بأمنا حواء وأبينا آدم وجهاً لوجه من خلال الـ (د ن ا).

والـ (د ن ا) هو الاسم العام لأي حمض من الأحماض الننوية التي تود في نوى الخلايا الحية، والتي هي الأساس للوراثة الجزيئية في الكائنات الحية، حيث أعلن ثلاثة علماء أميركيين ام 1987 أن نوعاً خاصاً من (د ن ا) – يورّث من الأم فقط – قد سمح لهم بتتبع الماضي وتحقيق متى كانت النشأة الأولى لمجموعة الجينات البشرية الكاملة – أي للإنسان الحديث – فقد تم تحليل أحماض (د ن ا) مأخذوة من 147 شخصاً من خمس مجموعات سكانية جغرافية على مستوى العالم فاتضح أن جميع هذه الأحماض ناشئة أصلاً من امرأة واحدة يفترض أنها كانت تعيش في عهد مضى عليه مئتا ألف عام في مكان ما من أفريقيا.

الطب الجيني مرتكزاً إلى الهندسة الوارثة بدأ يتخذ من العديد من الحيوانات مصانع أدوية وذلك عن طريق إعادة تركيب جيناتها الوراثية، ولذلك قلت أنها ربما تصبح أنفع لنا، ذلك أن ما من شيء يؤذينا أكثر من أنفسنا الأمارة بالسوء.

وعودة إلى الدتور مواري اللندني الذي أخذني إليه صديق العام الماضي وكان كشفه بمئتي جنيه استرليني فقط لا غري، إلا أنه استنكر مجيئي إلى لندن قائلاً: “كيف تأتي إلى هنا وعندكم في الإمارات مستشفى المفرق والدكتور حيدر العطية؟!”.

وهكذا كان، فما أن عدت إلى أبوظبي حتى وجدت على مكتبي (فاكس) من الدكتور العطية الذي أسرني بعلمه ولطفه أصبحت من (زبائن) المفرق وصولاً إلى الفحص السريري الذي أنامني الأسبوع الماضي على السرير الأبيض لإجراء حوارات معمقة مع الصديق اللدود (السكري) الذي ينطبق عليه قول أبي الطيب المتنبي:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى

عدواً له ما من صداقته بدّ

قل يا سيدي… وصلت إلى المفرق مع أوائر الطيور المبكرة حسب الموعد، وأمر الإدخال إلى المستشفى فإذا بحسابات البيدر غير حسابات الحقل، فقد قيل لي أنه لا يوجد سرير، وان المستشفى كامل العدد، وما بين الثامنة صباحاً والثانية عشرة ظهراً وأن بين ركض وانتظار حتى استقر بي الترحال في مكتب محمد الجابري، وما أدراك ما مكتب محمد الجابري…

ربما سمعت عن الرمال المتحرّكة التي خاض بها عنترة بن شداد ليجلب مهر حبيبته عبلة من النياق الحمراء… ذلك هو حديث الغد.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s