أخذت أتجول في (بيروت) مع رفيقاي… المدينة كتلة هائلة، نصفها قرب سفح البحر، ونصفها على سفوح الجبال المحاذية، أشبه بلوحة من رسم فنان على صفحة زمردية. وعلى الرغم من أننا في الخريف، حيث تتهادى سحب مرحة تتسكع في عرض الجبال، لا هي من سحب الصيف البيضاء فترحل سريعاً باتجاه البحر أو إلى عمق البر، ولا هي من سحب الشتاء السوداء المثقلة بالمياه، فتتخيل لحظة اصطدامها ببرودة أعالي الجبال لتتكثف وتفرغ ما في جوفها من الماء العذب الزلال، سحب الخريف التي ألبست منازل الجبال ثوباً رمادياً، كانت صورة للجو العام في (بيروت)، حيث كل شيء يبدو شفافاً للحظة، فإذا قاربته أُعتِم.
كانت المدينة مشغولة بالتوقعات والاستحقاق الرئاسي، قبل أن يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فيفوز حصان العماد (إميل لحّود) بقصب السبق، ويكسف الرهان، وسط إجماع لم يسبق له مثيل، الجميع يتحدثون عن طهارة يديه، ويبدو أن الإلحاح على هذه النقطة بالذات يكشف عمق الاستياء الشعبي من استشراء الفساد – الذي لم يعد يتخفى تحت الطاولة، وإنما له كرسي مميز وحصين كطرف من أطراف المعادلة.
سائق التاكسي اللبناني يثير نقطة أخرى – وقد تُهنا في طريقنا إلى مغارة (جعيتا)، فتوقفنا عند نقطة للجيش في مفترق طرق، حيث سألوا السائق بأدب جم عن اتجاهه، ثم أرشدوه إلى الطريق الصحيح – فقال لنا: “إن مأثرة العماد هي إعادة الانضباط والاحترام إلى صفوف الجيش اللبناني، وإعلائه فوق الطوائف والطائفيات، وإعادة تربيته على هذا النمط الرفيع من السلوك الذي لاحظتموه على الجنود في تعاملهم مع العامة، بعد أن كادت رياح الطائفية السوداء تمزقه كل ممزق، وتحوّله إلى أداة لإحراق الوطن بدلاً من إطفاء حرائقه.
قلت للسائق: “كيف ضللت الطريق وأنت ابن البلد، ومهنتك تحتم عليك معرفة أماكن مجهولة لا يعرفها عامة الناس، فكيف بمغارة (جيعتا) التي وصلت شهرتها إلى أطراف العالم؟”. فأجابني بأسى أن تلك هي إحدى ثمار عَقدين من الحرب التي غرّبت اللبناني حتى في وطنه، واعترف أنه يسمع عن المغارة مثلما سمعنا نحن عنها في الخارج، وأن هذه هي المرة الأولى التي يزورها، فهو ينتمي إلى جيل الحرب التي نشبت وهو لم يزل طفلاً، وما كان بإمكانه عبور خطور التماس في العاصمة نفسها، فكيف بالوصول إلى المغارة عبر الجبال.
ولقد مررنا عبر بعض خطوط التماس الخادعة بهذا الاسم الرقيق، أما على الطبيعة، فإن التماس هو آثار زلزال مدمر ضرب تلك المناطق التي كانت وادعة مطمئنة، فحوّلها إلى حقول للموت والخراب والحرائق التي أتت على كل شيء، وكل ذلك من الظاهر، أما ما خَفي فهو أعظم، فما أظن أن مئات المجلدات تكفي لرصد آلام الناس ووصف معاناتهم وما تحمّلوه من تهجير وإذلال.
أيها العماد… لكم يُعلق عليك الناس آمالهم… ويا أيها الخريف اللبناني الكريم: أعرف أنك تقوم بدورك في تطبيب الجراح حتى تندمل.
Can I just say what a relief to find somebody that genuinely knows what they’re talking about online. You definitely know how to bring a problem to light and make it important. More people need to read this and understand this side of the story. I was surprised you aren’t more popular since
you most certainly have the gift.
Thanks for your comment
My father has written a lot of articles about Lebanon. He used to value its culture and history. We’ll publish them in the near future.
One more thing, Mr Fadhl was a well known jounalist in Yemen.