بعد أن خسرنا الحرب في موقعة الكلب..قررنا أنا وزملائي الحزينين التسليم بالمكتوب والاتكال على علام الغيوب، وهكذا بعد أن قوّضنا المبدأ العربي الأول الشهير القائل: “خسرنا معركة ولكننا لم نخسر الحرب” قوّضنا المبدأ العربي الثاني الأكثر شهرة والقائل بـ: “إزالة آثار العدوان”.
وبذلك نفضنا اليد من حلم العودة إلى (كافتيريا الزهور)، ذلك الفردوس اللندني الصغير بسبب كلب شرس، كما نفض العرب أيديهم من حلم العودة إلى فلسطين – ذلك الفردوس الإلهي القدسي – بسبب كلابٍ شرسةٍ كثيرة، ومع ذلك عزّينا أنفسنا بالقول: “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم” وردّدنا جميعاً بصوت واحد أغنية فيروز: “سنرجع يوماً إلى حيّنا.. ونغرق في دافئات المنى..” ثم توكلنا على الله.
و “…هبي..دبّي.. هيلاهوب” وإذا بنا نهبط مرة أخرى كأنما بـ (البراشوت) في (شيراتون بارك تاور) فكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا، وإيش جابرك على المر… قال: الذي أمرّ منه…
ولم يكن للإيطالي من وجود، فتنفسنا الصعداء، وأخذنا نستمع إلى أنغام البيانو تأتي من الركن البعيد تعزفها أمريكية (دهرية) يخيّل إليك أنها مقيمة هناك منذ أيام الفراعنة، فإذا لم تجدها في الزاوية العتيدة فلست في (الشيراتون بارك تاور) وإنما في أي (تاور) بلا (شيراتون).
وما هي إلا لحظات قبل أن نأخذ رشفة من الشاي إذا بـ (عيسى الجابر) و (سيف بن علي) يهبطان علينا، أخذ سيف يتفرّس في وجه (العفيفي) المتشوّق لإذاعة السر رغم أننا تعاهدنا على الكتمان، وراح (سيف) يستدرجه: “هاه يا بو عادل… مو عادتك تبتسم وانته ساكت… شنو السالفه؟” هنا، انفجر (العفيفي) بالضحك وهو يرد: “لا أبداً.. ولا حاجة.. بس.. كلب ابن كلب..وهكذا شاعت قصة الكلب بعد أن شاعت قصة الـ (اسباكيتي).
كان (سعيد دحي) قد استأذن للذهاب إلى فندقه القريب لإنهاء إجراءات المغادرة (شك أوت) فقد اقترب موعد سفره، وعاد إلينا بعد قليل يترنّح من الهول… خير… مالك يا أبا أنور؟
حط يده على كتفي وهو يقول بصوت كسير كأنه طالع من أعماق بئر: “مجزرة.. والله العظيم مجزرة يا أبا خالد…”، يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف… إيش الموضوع؟ أخرج من جيبه فاتورة بـ 240 جنيهاً أسترلينياً… “تصوّر ثمن مكالمات داخلية نجريها في الإمارات مجاناً أو شبه مجانية..” وعلّق من قهره: “تقول لي كلب الكافتيريا…”.
آفاق فضل النقيب 