دفاتر السفر (8)

أبى الأستاذ (سعيد دُحي) كأي (جنتلمان) إلاّ أن يُناقش صاحبة (كافتيريا الزهور) حول حق الإنسان في أن يجلس بأمان في هذا المكان العام مع الاعتراف الكامل بحق الكلب في أن يسرح ويمرح ولكن بدون التهديد باستخدام القوة، وبما أن (أبا أنور) حاصل على (الليسانس) في الأدب الإنجليزي فقد فرد قامته وتحصّن بيديه كما يفعل لاعبو كرة القدم أثناء تنفيذ ركلات الجزاء المباشرة إستعداداً لأي غدر من قبل الكلب، وبدأ الحديث بالسؤال عن ضرورة وجود مثل هذا الوحش في مثل هذا المكان، فامتعضت السيدة من مجرّد السؤال، ومِن هذا الوصف الفظيع الذي اعتبرته إهانة لا تُغتفر، وكان جوابها: “وهل أسألك عمّن يسير معك أو تسير معهم…! إنك تتدخل في شؤونٍ لا تَخُصّك، ثم ما الذي يرغمك على الجلوس في مكانٍ لا يعجبك؟” ويبدو أن هذا الكلام لم يشف غليلها فأردفت: “دعني أقول لك أيها السيد أنك في أعماقك تكره الكلاب وإلا لما نبح عليك هذا (الحمل الوديع)… أما الوحش فأنت تعرف من هو ولا داعي لأن أقول لك ذلك…” أنهت كلامها وانصرفت غير عابئة بنا، بينما الكلب يهزّ ذيله طرباً، فقد أدرك بحاسته التي لا تخطئ أنه كسب المعركة.

خرجنا أربعتنا نجرجر أذيال الخيبة، ولكننا كنا عازمين أشدّ العزم على رفع الشعار العربي العتيد: “لقد خسرنا معركة، ولكننا لم نخسر الحرب”. فذهبنا إلى محل متخصص بهدايا الكلاب، وهناك استمزجنا رأي صاحب المحل بحكم خبرته حول أفضل هدية في مثل هذه الحالة، فأجابنا – وهو يتفرّس في وجوهنا – التي لم يغادرها الرعب تماماً – وقد أدرك أننا من أمة لا تكن الود لهذه المخلوقات-:”خير ما يُبهج قلب الكلب أيها السادة كرةٌ مطاطيةٌ قويةٌ يلهو بها ومعها ويحدّ بها أسنانه”.

ولأن الكرة رخيصة إذا ما قورنت بالفائدة العظيمة التي تعود بها علينا – حيث لا شيء في الدنيا يعلو على نعمة الأمن والأمان – فقد قررنا بأريحية عربية وكرم حاتمي أن نشتري أربع كرات، ومن أجل عين تكرم مرج عيون.

خبّأ كل واحد منا كرته في جيبه، وقفلنا عائدين إلى كافتيريا (الزهور) ونحن نردد بيت المتنبي الشهير:

ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى
عدواً   له   ما  من  صداقته  بدّ

.

ألقيت بكرتي فسرّ بها الكلب سروراً عظيماً، ثم ألقى (العفيفي) بكرته فجرى خلفها والأولى في فمه، وجاء دور (سعيد دحي)، فـ (محمد قحطان)، فحصل ما لم يكن في الحسبان، إذ طار عقل الكلب وأخذ يجري هنا وهناك دون وعي باحثاً عن الكرات تحت الموائد وبين أقدام الجالسين، ولكم أن تتصوروا كلباً بحجم عجل يجري بسرعة البرق ماذا أحدث للكافتيريا، لذلك ولّينا هاربين ولم نعد إلى ذلك المكان أبداً… فقد خسرنا الحرب هذه المرة.

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s