دفاتر السفر (7)

أصبحت الأميرة الماليزية الحسناء تنفجر من الضحك كلما صادفتنا أنا و(العفيفي)، وأخذت من باب الطرافة تدعو صديقي بـ (مستر اسباكيتي)، وشاعت النكتة في فندق (شيراتون بارك تاور) الشهير لدرجة أن الإيطالي المسكين قرر الرحيل والانتقال إلى فندق آخر، بعد أن وجد نفسه في موقف لا يُحسد عليه، فكل من يشاهده يضحك أو يبتسم، وبعضهم يتمادى في الخبث فيؤكد للإيطالي وهو يضحك أن إيطاليا بالتأكيد ليست (اسباكيتي) فقط، وإنما صناعة وحضارة وعبقريات، وأن الإنتاج القومي لبلاده يفوق الإنتاج القومي لجميع بلدان العرب (وهذه بالمناسبة حقيقة لا يرقى إليها الشك)، وللقارئ غير المتابع أصل القصة في زاوية الأمس.

كل ذلك لم يقنع الإيطالي، فهو من أصحاب الدماء الحارة، وواضح من سمرته أن دماء عربية قد تسللت إلى عروقه أيام كان العرب سادة العالم، حتى أننا خشينا أنا وصاحبي من انتقام على طريقة (المافيا)، فقررنا أن نخف أرجلنا لعدة أيام عن المكان، وأن نتشمم الأخبار من بعيد.

وعلى ذلك التشمشم، فإن لندن مدينة للنميمة من الطراز الأول، لذلك فإنها جنة الصحفيين – كما هي جنة المتسوقات – ولا أتصور وجود مطبوعة لديها خيال إعلامي جيد لا تستثمر ذلك المناخ المليء بالوشوشة والأخبار والتحليلات والتمنيات، حيث كل تيارات العالم السياسية تتلاطم على ضفاف (التايمز) لمن يُحسن الإصغاء، لأن آفة الصحفي أن يكون ثرثاراً لا يُصغي إلا لنفسه، أو كسولاً ثقيل الحركة فقير العلاقات.

إلى أين يا صديقي؟ قال فلنذهب نتشمس في (كافتيريا الزهور) القريبة من سكننا. وكنا قد ألفنا ذلك المكان الجميل وأحببناه وتعودنا على ناسه وتعودوا علينا… أخذنا معنا صديقنا المشترك (محمد قحطان)، وتحرّكنا في خيلاء كأننا غير معنيين بهواجس انتقام الإيطالي. وحين دلفنا إلى (كافتيريا الزهور) فوجئنا بوجود كلب ضخم في حجم عجل، تقدح عيناه شرراً، ويكشر عن أنياب في حجم سكاكين الجزارين، وأخذ يدور ويدور كأنه أسدٌ هصور.

يا ساتر يا رب، ويا خفي الألطاف نجنا مما نخاف، وقد تلقينا عقب الخضة الأولى تطمينات بأنه لن يمسنا بسوء، فردت إلينا أرواحنا. وكنا قد هاتفنا صديقنا (سعيد دُحي) ليأتينا إلى هناك، وما أن دخل المسكين حتى هب عليه الكلب كأن بينهما ثأراً قديماً، وكادت أن تقع مذبحة، فاقترح علينا (العفيفي) أن نأتي للكلب بهدية حتى نصادقه ويصادقنا، ونأمن شره، لأننا لا نستطيع الاستغناء عن المكان، ولا نقدر على معاداة الكلب ومنازلته، قلنا جميعاً بصوت واحد، ذلك عين الصواب… فإلى الغد.

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s