السفر يناديك، ينصب لك الكمائن الجميلة، والفخاخ المثيرة، يغرك بأنسام باردة في عزّ صيفنا اللاهب، يعدك بجبال خضراء، وينابيع متدفقة، واستراحات في شرفات الغيم، هناك في البعيد، حيث كل شيء جديد.
ذات صيف ذهبت إلى شمال (العراق)، وتوغلت عميقاً بين الجبال المكللة هاماتها بالثلوج، تتدفق منها المياه الباردة في شلالات لها أجراس عذبة، تردد صداها الوديان الخضراء، حيث قطعان الأغنام تبدو من بعيد كأنها تماثيل الكباش المقدسة في مدخل معبد الأقصر الشهير بوادي الملوك في مصر، إنها لا تتحرك لوفرة الحشائش الغضة تحتها… هي قطعان مرفهة لدى شعب غير مرفّه، فالشعب الكردي يعيش منذ نصف قرن في دوامة موت لا يرحم.
ذكرني ذلك التناقض بالسهوب الهندية الخضراء الممتدة بين (بانجلور) الفيكتورية، بمبانيها واعتدال مناخها، وبين (ميسور) حيث قصور المهراجات السابحة في الذهب، والمصقولة مثل الكريستال، وحيث مشاغل الحرير الطبيعي الذي يبهجك مجرد لمسه فكيف بلبسه، أو عندما يتحول إلى (ساري) يزهو بألوانه الدافئة على جسد حورية فاتنة.
في المسافة بين (بانجلور) و (ميسور) على مدى ساعات من السفر طبيعة خلابة خضراء، وأشجار باسقة، تمتد في صفوف طويلة، كأنها حرس شرف معتز بنظامة وكبريائه ورسوخه. وحده الإنسان في تلك السهوب في غاية البؤس والإنكسار وفي حضيض الفقر. قرى بكاملها لا تجد فيها إنساناً يلبس حذاء. أما آن للإنسان أن يتعلّم من الطبيعة بأن هناك متسعٌ للجميع، فدورة الحياة تغذّي جميع الكائنات بالحب والعطاء إلاّ من ظلم نفسه.
أعادتني تلك المسافة المشحونة بالجمال والحزن إلى أرض ممثالة ومشابهة تمتد من عاصمة (التشيك) (براغ) إلى المنتجع العالمي المشهور (كارلو فيفاري)… أرض كأنها الذهب نضارة وغضارة وزهواً بالحياة، وعلى الرغم من بعض مظاهر الأزمة الاقتصادية التي تتبدى أكثر في قِدَمِ المنازل، إلا أن الإنسان متناغم مع الطبيعة في نظافته وصحته وبشاشته وتطلعه إلى حياة أفضل.
السفر نافذة الروح على الدنيا، يجدد الشباب… يوسّع آفاق المعرفة… يعيد إليك الدهشة التي افتقدتها منذ زمن بعيد… السفر يناديك.
آفاق فضل النقيب 