محمود درويش وورطة مجلدات عوض – 18

وقفنا أمس مع (محمود درويش) على مائدة محافظ لحج (عوض الحامد)… وللحق فإن محمود قد انتابه ذعرٌ شديد بعد أن رأى المحافظ ينقض على المصور التلفزيوني المسكين حتى انبطح الاثنان أرضاً، ولا يخفى على فطنة القارئ العزيز أن العم (عوض) كان مدججاً بترسانة سلاح… صحيح أن الرشاش لم يكن بيده وإنما مسنداً إلى الجدار بجانبه، ولكن المسدس وعدّته إضافة إلى عدد من القنابل اليديوية كانت مخبأة في سائر أنحاء جسده بجانب كم السلاح المهول مع المرافقين الذين كانوا محيطين بنا إحاطة السوار بالمعصم. وتصوّر – يا سيِدي- لو أن قنبلة واحدة فقط سقط عنها صمام الأمان أثناء قفزة المحافظ الشرسة، إذاّ لكنا رحنا فيها (فطيس) ولكانت الأمة العربية قد فقدت أعظم شعرائها ولما كنت أكتب لكم هذا (المسلسل) اليومي على حد تعبير صديقي (علي شعنون).
ولأن ما خفي أعظم، فقد كان المحافظ (عوض الحامد) يخبئ للشاعر درويش مفاجأة مدويّة هي بمثابة (الحلاية) بعد تلك الوجبة الدسمة التي كدنا أن نفقد بسببها حياتنا، فبعد أن أشعل السيجار الكوبي، ومجّ نفسين نفثهما في وجه (درويش) الذي بلا شك كان يفكر في طريق للخلاص من هذه (الورطة الفجائعية) أمر المحافظ أحد مرافقيه بإحضار (المجلدات) من السيارة.
همس محمود في أذني: “أية مجلدات” “والله ما أدري” سألني: “ما فينا نرجع على عدن؟” “والله يا سيدي الضيف في حكم المضيف… وما دمت في حضرة (عوض الحامد) فوكّل أمرك إلى الله”.
جيء بالمجلدات فأبلغ المحافظ ضيفه أنه قد نظم كتاب (رأس المال) لماركس شعراً، وأنه في هذه المجلدات يوجد هذا الكنز الثمين، وأنه سيقرؤها من الجلدة إلى الجلدة على (محمود) ليسمع رأيه ومداخلته وما قد يرتئيه من تحسين هنا، أو إصلاح هناك. وكاد (محمود) أن يصاب بالإغماء لولا أنني أسرعت بإسعافه إلى السيارة وأنا أؤكد بالإيمان المغلظة للعم (عوض) بأننا سنعود غداً منذ الصباح الباكر لنكون تحت أمره، ذلك أن الشاعر لا بد له أن يتحضر لأمسية شعرية في سينما (بلقيس) بعدن.
هذا ما كان من أمر (محمود درويش)… أما ما كان من أمر (عوض الحامد) فقد ترك المحافظة في فترة لاحقة واعتزل الناس، ثم احترف الصيد، وكان يعرض الأسماك الكبيرة للبيع بأسعار أقل من الصغيرة، فإذا سؤل عن ذلك قال إن الجهد المبذول لصيد الكبيرة أقل منه لصغار الأسماك، ثم يقول لسائله: “يا حمار… هذه الكبيرة خلاص ما راح تتعلم شيء، أما الصغار فتستطيع تربيتهم على كيفك”، وكان يقطع المسافة من (الشيخ عثمان) إلى (خور مكسر) حافياً، فإذا وقفت له سيارة يرفض الصعود قائلاً أنه مستعجل، ولم يكن به مسٌّ أبداً، إنما هو العقل في أفضل حالاته تجلياً، والدليل أنه صعد الباص المتجه إلى (عدن الصغرى) وأوقفه في منتصف الطريق، ثم أمر الركاب بالنزول فنزلوا، وأمرهم بالصعود فصعدوا، فبصق في وجوههم وهو يقول: “الله يلعنكم من محكومين… ما في واحد منكم سأل ليش ننزل وليش نصعد، ما حد قال يمكن الذي وقف الباص مجنون”… وهكذا تركهم وعاد ماشياً على قدميه.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s