سأل المحاضر السوفييتي مستمعيه من الكوادر الحزبية العليا في الحزب الاشتراكي اليمني: “هل بريطانيا أقرب إلى الاشتراكية أم اليمن الديموقراطية” فأجاب أغلبهم اليمن الديمقراطية. عقب على ردهم بالقول: إذاً فأنتم تفهمون الماركسية أكثر من ماركس، الذي تنبأ وفقاً لمعطيات نظريته بأن بريطانيا أو ألمانيا هما الأكثر أهلية بسبب تقدمهما الصناعي وسعة الطبقة العاملة فيهما وقوة تنظيماتهما النقابية، وذلك قبل أن ينظر (لينين) لإمكانية إحداث التحول في بلد متخلف ولكن ذو إمكانيات غير محدودة مثل الاتحاد السوفييتي، والذي تأكد بعد تجربة 70 عاماً أن الجمود العقائدي ومصادرة التفكير الخلاق إضافة إلى انعدام الديموقراطية قد نخرت جميعها بنية التجربة حتى استيقظت البشرية على انهيار ذلك الصرح العملاق في مطلع التسعينات، مخلفاً وراءه أصداء لا تزال تتردد على امتداد الكرة الأرضية إلى اليوم.
بالمقارنة فإن اليمن الديموقراطية لم تكن تملك من الإمكانيات الموازية شيئاً يذكر، اللهم سوى الشعارات والمزايدات اللفظية، ومن ذلك أن أحد الريفيين في حمى قرع الطبول قد سمّى أبناءه الأربعة ماركس وانجلز ولينين وستالين، فكانت أمهم توزع عليهم مهام العمل في الصباح، لينين للعناية بالبقرة وحلبها، ستالين لرعي الغنمات الثلاث في شعاب الجبل، ماركس لتحضير الحمار لجلب برميلين من الماء من بئر الوادي، وانجلز لهش الغربان عن حقل العائلة حتى لا يذهب مجهود العام سدى.
وعلى الرغم من مفارقة النكتة إلا أنه يبدو أن الفرق بين أدوار القادة الشيوعيين الأربعة ووظائف الصبيان اليمنيين يبدوا أقرب إلى تشخيص المسافة بين تجربتين وعالمين.
ولتقريب الصورة فقد كان لي صديق اسمه عبيد عوض وكان حتى الاستقلال يؤجر عجلات هوائية على رصيف الشارع مقابل فند التركي بكريتر / عدن، ومع دوران العجلة أصبح يرأس لجنة الرقابة في وزارة الأشغال التي كان وزيرها آنذاك حيدر أبوبكر العطّاس الذي أصبح فيما بعد رئيساً للدولة، ولم يكن بإمكان الوزير (أبو معتز) أن يضع رجله خارج الوزارة أو يوقع على أي قرار إلا بإذن وموافقة (عبيد).
وكان حال الأشغال من حال البلد، لذلك فإن (الجاوي) كان يردد طوال اليوم هذا الشعر:
تقول لي أنك المدير… مدير من أنت يا مدير، والله ما للوزير معنى… فكيف من (مدّر) الوزير.
آفاق فضل النقيب 